الاثنين، 23 يوليو 2012

عودة الابن الضال؟ بندر بن أبيه!

مقرن ولد بركة انشغل في ملذاته وبتعاطي المخدرات والحشيش ونسي أنه يشغل منصب رئيس الاستخبارات ولم يستفيق إلا على خبر إقالته
حينما يُقال أي أمير سعودي من منصبه فإنه سيُعين مُستشاراً للملك لكي لا يثيروا الأقاويل, فقد سبق وأن ركن عزوز فعين مستشاراً للملك
بعد أن نفق سلطان وتبعه شقيقه نايف زال خطر أبناء السديري, ولم يعد بندراً يشكل أي خطر على عرش عبد الله فقرر أن يعيده للأضواء
والصراع القادم بين أفراد آل سعود ستكون شرارته طمع وطموحات الأحفاد وليس كالسابق تنافساً كلاسيكياً بين أبناء السديرية وخصومهم
مازال الخبراء الأجانب وإعلاميو الغرب يخفقون ويخطئون في تحليلاتهم السياسية سواء في الشأن الداخلي لبلاد الحرمين الشريفين أو في شأن الأسرة السعودية الهالكة, وذلك بسبب جهلهم المطبق بثقافة المنطقة وعدم معرفتهم بالعادات والتقاليد وبواقع وعقلية المجتمع النجدي تحديداً وهو المجتمع الشديد العنصرية لغيره والمسيطر على مناحي الحياة العامة, فتراهم تارة يرشحون بندر بن سلطان لتولي العرش السعودي, وأخرى يتوقعون أن مقرن ولد بركة سيكون هو الملك القادم دون فهم تفكير وسيكولوجية القوم أو ادراك للآلية المُتبعة والتي يتصرف خلالها آل سعود.
بندر بن أبيه وهو في سن المراهقة
فهؤلاء المراقبون الأجانب لا يدركون حقيقة أن كلا المُرشحين المزعومين هما نتاج لأبناء (الإماء) أي الجواري, وأبناء الجواري في مجتمع نجد المُنغلق على نفسه لا يجوز لهم مزاحمة أسيادهم أبناء الملك (الأحرار) ولا يمكن أن يكونوا أكفاء لأبناء القبيليات في الشرع النجدي – السعودي, حتى ولو كانوا من أب واحد, والغربيون يجهلون تلك الإشكالية العِرقية بالنسب ولا يدركون أن العنصرية العرقية تضرب أطنابها في قلب جزيرة العرب وفي أسرة آل سعود تحديداً كونهم سكنوا منطقة نجد وتشبعوا بعاداتها وتقاليدها, رغم أنهم يجهلون أصولهم العرقية وعرفوا في السابق على أنهم "حمولة مقرن" فقط دون المزيد من الايضاحات, ومقرن هذا راعي تلك الحمولة لا يعرف من أي فج خرج سوى أن والده كان يُدعى (مرخان) وأن جد مرخان أو مردخان هذا قد جاء من درعية القطيف ليقطن درعية اليمامة.
وكل آل سعود الحاليين هم من أحفاد مرخان, وهم يسمون بحمولة مقرن, وكل شخص منهم يتفاضل على إخوانه وأبناء عمومته بأصل أخواله وليس بكونه ابن فلان أو علان.
وعليه فإن أبناء الجواري في أسرة آل سعود لا يحق لهم الجلوس على العرش حتى لو كانوا أبناءً لأمات شقراوات, ويبقى الصراع على العرش محصوراً فقط بين أبناء القبيليات من زوجات عبد العزيز فقط.
تلك الاشكالية لم يفهمها الاعلام الغربي ولم يستوعبها خبراء ومحللو الغرب الذين رأوا في بادئ الأمر في بندر أنهُ المَلك القادم للعرش السعودي, ثم بعد أن ركنه الملك عبد الله على الرف, عادوا وراهنوا على حظوظ مقرن في تبوء العرش السعودي القادم.
مقرن ولد بركة وهو شاب يؤدي رقصة العرضة
ولطالما توقع الخبراء السياسيون والإعلاميون الغربيون سيناريوهات شتى للسبب الذي يقف وراء إقالة أو ركن بندر بن سلطان جانباً, وتساءلوا عن سبب سحب صلاحيته من قبل الملك؟
فعاد الإعلام الغربي من جديد زاعماً أن بندر كان طامحاً يسعى لأن يُصبح ملكاً على السعودية وكان يُخطط لإقصاء عمه الهرِم (بكسر الراء), فوقعوا مرة أخرى بنفس الخطأ الاستراتيجي وجعلوا من بندر طامعاً بالملك وهم لا يدركون حقيقة أن بندر لا يستطيع حتى ولو في المنام تحقيق ذلك الحلم, لأنهُ يُدرك جيداً أن حلمه هذا سيكون مستحيلاً ولن يتحقق إلا في حال انقراض آل سعود جميعهم وبقائه لوحده, حينها قد تكون فرصته سانحة, وربما سيطمح كما طمح من قبله خالد بن سعود بن عبد العزيز (ابن الأمة السوداء) قبل حوالي المائتي عام حينما أتى دليلاً ذليلاً مع القوات المصرية الغازية لنجد ليعينهم على أبناء قومه لكي يحقق حلمه الأزلي في تبوء السلطة على أقليم نجد وكي يصبح أميراً على الرياض.
في الحقيقة أن اقصاء الملك عبد الله لبندر له عدة أسباب ودوافع ولكن أهم سبب هو أن الملك عبد الله خشي من تزايد نفوذ وعلاقات بندر في واشنطن, ولكي لا يصبح لساناً لأبيه سلطان وداعماً لأخيه خالد في كواليس البيت الأبيض, فكان لابد من قصصة اجنحته واقصائه, وفي تلك الفترة كان أبناء عبد الله الطامحين ناقمون كثيراً ويتحسسون من تدخلات ونفوذ أبناء فهد وسلطان في شؤون الدولة, رغم أن والدهم قد أصبح هو الملك وهم أبناء هذا الملك ومن حقهم الاستئثار بالسلطة كما فعل أبناء فهد من قبلهم, وقد كان لبندر علاقات وطيدة مع اللوبي الصهيوني وكذلك مع أغلب السيناتورات في أمريكا, ولديه علاقات وثيقة مع أسرة بوش, وكانت الإدارة الأمريكية تعتبر الملك عبد الله مجرد واجهة فقط أو بالأحرى ملك كهل جاهل, وكان تعاملهم الدائم هو مع البندورة فقط.
وهو ما أغاض الملك عبد الله كثيراً, خصوصاً بعد أن علم أن بندر وأبيه سلطان كانا على علم مسبق بكل خطط الحرب على العراق, بينما بندر لم يطلع عمه الملك على جميع التفاصيل وكان يتصرف بندر دون الرجوع للملك, بل كان يطلعه على معلومات عامة كالقول بأن أمريكا قررت ازاحة صدام, بينما التفاصيل الدقيقة للغزو كانت لدى أبيه سلطان بن عبد العزيز بحيث سمح الأخير باستخدام قاعدته الجوية للنقل والتموين والإخلاء الطبي للجيش الأمريكي, فشعر الملك عبد الله أن بندر استخف به أمام الأمريكان وبات يشكل خطراً عليه وأصبح يُمثل مصالح أبيه في أمريكا ولم يُعد ممثلاً له وكذلك من خلال تحريض وحث متواصل من قبل أبناء عبد الله الناقمين على أبناء فهد وسلطان, فقرر الملك إقالته وسحبه من واشنطن وتعيين الأمير تركي بن فيصل السفير السعودي في بريطانيا سفيراً للسعودية بواشنطن بدلاً من بندر, لكنه لم يستمر طويلاً إذ سرعان ما قدم استقالته معترضاً على تدخل بندر وتطفله على وظيفته, فتم قبول استقالته ومن ثم تعيين عادل بن جبير سفيراً للسعودية في واشنطن وبهذا أصبح ابن جبير خادماً مطيعاً وتابعا وخاضعاً بالكامل للملك عبد الله.
ثم عين الملك عبد الله بندر بمنصب جديد ومُستحدث هو شبيه بمنصب أو وضع مُستشار الملك المعروف, وذلك حينما يركن أي أمير سعودي على الرف حينما يخفق في عمله أو يزعج الملك فيقال أن الأمير الفلاني قد أعفي من منصبه وعين مستشاراً للملك أي نوع من التورية وإخفاء وكتم الفضائح, كما حصل قبل عامان مع الطفل المعجزة عبد العزيز بن فهد الذي كان يشغل منصب وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء ورئيس ديوان مجلس الوزراء, فأقاله الملك عبد الله وعينه لاحقاً بمنصب مُستشار الملك أي ركن على الرف, ونفس الشيء حصل مؤخراً مع مقرن ولد بركة, حيث تمت إقالته ثم عينه الملك مُستشاراُ له فما أكثر مستشارو عبد الله, وهو ما حصل في حينها مع بندر فقد عينه الملك بمنصب أرشيفي مُصطنع وذلك لكي لا يغضب أخيه ولي العهد في حينه سلطان, فأصبح بندراً يشغل ذلك المنصب المُضحك الشبيه بالاسم فقط بمنصب كوندليزا رايس مع الفارق طبعاً, ويُدعى (الأمين العام لمجلس الأمن الوطني السعودي) وبهذا يكون قد انتهى دور بندر في واشنطن وركن في الداخل وانتهى أمره وزال خطره بالنسبة للملك وأبنائه.
لكن بندر الخبيث لم يستسلم بسهولة فقد بدأ بإعادة اتصالاته الدبلوماسية والسياسية مع الأمريكان وأخذ يُنسق أمنياً معهم, وبدأ بزياراته المكوكية لواشنطن دون علم السفير السعودي في وقتها تركي بن فيصل, مما أغضب تركي من تدخلات بندر السافرة في عمله الدبلوماسي فقدم استقالته اعتراضاً على تحركات بندر المشبوهة, ولم يقصم ظهر البعير المرخاني إلا حينما بات كل وفد أمريكي يأتي لزيارة الملك عبد الله يبلغوه أنهم التقوا بالأمير بندر وناقشوا الأمور معه!
وهو ما أثار غضب وحنق الملك عبد الله فقرر أن يعاقب بندر ويمنعه من أي نشاط سواء كان سياسياً أو دبلوماسياً أو استخباراتياً وطلب منه البقاء في منزله فقط.
وصادف أمر اعفاء بندر من منصبه أن وسائل الإعلام والصحف الأمريكية والبريطانية أثارت فضيحة صفقة اليمامة وكشفت مقدار الرشى التي تلقاها الأمير سلطان بن عبد العزيز وأبنائه من شركة BAE Systems, ومن ضمنهم كان الابن بندر, حيث دفعت له تلك الشركة البريطانية مبالغ هائلة وخدمات سياحية لابنته خلال قضائها شهر العسل مع عريسها, بلغت حوالي مليار جنيه إسترليني وقد حولت تلك الأموال إلى حساب بندر الخاص في أمريكا.
فبقي بندر مغيباً عن الأحداث وبعيداً عن الأضواء لأكثر من عامين تقريباً, وقد تدهورت حالته الصحية وبدأ يراجع المُستشفيات الأمريكية لغرض العلاج, لأنه يُعاني من انزلاق غضروفي في الظهر, والغريب أن بندر والملك عبد الله ومقرن جميعهم يُعانون من نفس المرض في الظهر!
فمقرن مثلاً يزعم أن فقرات ظهره سحقت بعد أن قفز من طائرة حربية أثناء التدريب, فسقط على ظهره وتضررت فقراته, وأما الملك عبد الله فيقول أنه مصاب بـ(عرق النسا), ثم يردف قائلاً : مع أن النساء لم يرى منهن إلا كل خير كما يقول!
وبقي بندر خارج القرار السياسي ومُبعداً عن السلطة ومُهمشاً طيلة العامين الفائتين, حتى قرر أخيراً الملك عبد الله إعادته إلى الأضواء من جديد, مع خلال تعيينه كرئيس لجهاز الاستخبارات!
طبعاً لا يستطيع أحد أن يعترض على قرار الملك السعودي الأتيس لأن قراراته مزاجية وانتقائية منفردة, وإلا كيف يُعين لص كبير ومُرتشي حقير في منصب حساس سيُقيم من خلاله الشرفاء, ويرصد تحركات الأعداء!
الغريب أن بندر سبق وأن حاول أكثر من مرة أيام والده أن يسترضي الملك عبد الله ليستعيد ثقته به, ولكن دون جدوى, وقد حل أبناء عبد الله في أغلب المناصب الحساسة ولم يعد لبندر أي نفوذ يذكر حتى لو عاد مُجدداً.
ولكن بعد وفاة سلطان ومن ثم نفوق نايف أدرك الملك عبد الله أن نفوذ أبناء السديرية قد ولى على الأقل في عهده الحالي, ولم يعد يخيفه أي ظهور أو بروز لهم, لأنهم أصبحوا أقلية, بل هو من اختار بنفسه سلمان ليكون ولياً للعهد وذلك لمعرفته أن سلمان قد أصبح مكسور الجناح وأنه يبدي الطاعة له ولا يتجاوز عليه أو يفكر بالتقليل من شأنه لدى الأمريكان, وأن صراعه مع أبناء السديرية صفحة وقد طويت.
ولم يعد بحاجة لتكتل وجمع فلول المقاطيع من حوله كما كان يفعل فيصل من قبل وهو من بعد, حينما ضموا لهم الأمراء المُهمشين من أبناء الجواري لكي يكونوا حزباً مضاداً لحزب أبناء السديرية, وكان مقرن ولد بركة أحد هؤلاء المقاطيع الذين ضمهم عبد الله لاحقاً تحت جناحه لتكوين جبهة مواجهة ومضادة لعيال السديرية.
فقد انتهى أمر تكتل او حزب السدارى القديم وذلك بعد نفوق فهد وسلطان ونايف, ولم يعد عبد الله يخشاهم كما كان, وعليه فلم يعد يحتمل إدمان وسكر وعربدة مقرن وإهماله في مسؤوليته في سبيل مبدأ التكاتف والتخندق القديم.
فقرر عبد الله أخيراً إقالته عقاباً له وتعزيراً لغيره من الأمراء بسبب فشله الذريع في إدارة جهاز الاستخبارات, لأنه كان مشغول طوال الوقت في تعاطي المخدرات ومعتمد اعتماداً كلياً على مُساعديه الخائبين في إدارة مسؤولياته, وقد جعل من رئاسة الاستخبارات بناية فقط تدار بالنيابة عنه كما كان عليه الحال في إمارة حائل حينما كان أميراً عليها, حيث سلم الخيط والمخيط بيد وكيل الإمارة, وانشغل هو في سفراته ورحلاته المكوكية والتهى بتجارة المخدرات وحبوب الكبتاجون, حتى حولَ مطار حائل إلى أكبر محطة ترانزيت لتوزيع المخدرات في العالم حيث يتم استقبال شحنات المخدرات بكافة أنواعها, ولهذا جعل من إمارة حائل وكراً وسوقاً رائجة لتسويق وبيع الحبوب المخدرة.
فمقرن قد فشل فشلاً ذريعاً في أدارة جهاز الاستخبارات السعودي أثناء فترة إدارته له, حتى أن جهاز المخابرات القطري رغم تواضعه, وجهاز المخابرات الأردني رغم قلة تمويله فقد أصبحا هما المورد الرئيس للمعلومات لصالح وكالة المخابرات المركزية الأمريكية, وباتا هما حلقتا التواصل مع الأتراك في إدارة العمليات في داخل سوريا وهم بهذا يكونا قد سحبا البساط من تحت أقدام استخبارات آل سعود ربيبة الـ CIA.
بل إن لبنان الطوائف المُتصارعة, لبنان الحريري ومستقبله قد خرجت من قبضة آل سعود وبشكل دراماتيكي وعادت بوصلتها تؤشر نحو اتجاه دمشق وتحول حزب سعدو وحلفائه من أكثرية إلى أقلية, وبالرغم من كل ما يجري الآن في سوريا من أحداث وحالات تفكك وانهيار, فمازالت لبنان في قبضة الأسد وهو ما يُعد فشلاً ذريعاً آخر لمقرن وجهازه الفاشل.
 ليس هذا فحسب فقد تعرض هذا الجهاز إلى ضربات موجعة وأصيب في إخفاقات كبيرة سواء في العراق وغزة أو في باكستان واليمن بل حتى في الصومال, فقد فشل التمويل السعودي المالي الهائل لأياد علاوي وخرج آل سعود خاسرين من الساحة العراقية, ثم أصروا على دعم محمود عباس وعصابته وبالمقابل مُحاربة حماس والتضييق على قطاع غزة بالاتفاق مع نظام حسني مبارك فخسروا غزة وأهلها!
كما اغتيل دبلوماسي سعودي رفيع في مدينة كراتشي, وخطف دبلوماسي سعودي آخر في اليمن, ومازال مرتهناً لدى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب إلى حين اطلاق سراح النساء المعتقلات في سجون آل سعود.
كل تلك الاخفاقات المخابراتية الرهيبة ومقرن مازال منشغلاً في أجوائه السرمدية الخاصة, ويوزع ابتسامات خاثرة لعدسات وسائل الإعلام!
بل أن أكبر فضيحة لحقت بجهاز الاستخبارات السعودية هو ورديفه جهاز المباحث السعودي, عندما قاما بزرع عملاء سعوديون مزدوجون في تنظيم القاعدة في اليمن, وهؤلاء العملاء هم من كانوا وراء ما يُسمى بشحن الطرود المفخخة, حيث اتضح  لاحقاً أن العملاء السعوديون المزدوجون هم من يرسل تلك الطرود ثم يقوموا بالتبليغ عنها لكي يقدموا خدمات جليلة لجهاز المخابرات الأمريكي, وهي فضيحة مخابراتية بكل المقاييس.
ناهيك عن الخلافات المالية والفضائح الجنسية والمالية التي لحقت بآل سعود مؤخراً والتي نخرت في عظام أسرتهم السعودية, ففي رئاسة مقرن للاستخبارات اقدم أمير سعودي شاذ جنسياً على قتل خادمه الخاص في أحد فنادق لندن الراقية بعد أن قام بتعذيبه بطريقة وحشية, وقد تم الحكم على ذلك الأمير السعودي المدعو سعود بن عبد العزيز بن ناصر آل سعود بالسجن المؤبد, وبالمناسبة فإن الجانِ هو أحد أحفاد الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز من ناحية الأم.
ثم حدث تذمر وانشقاق من عدة أمراء وأميرات سعوديات وقد تمردوا على نظام حكم الأسرة السعودية المالكة, فبدأت تلك التداعيات من خلال التذمر الدائم من قبل الأمير المضطهد طلال بن عبد العزيز, ثم تمردت ابنته الأميرة سارة بنت طلال والتي طلبت أخيراً حق اللجوء السياسي في بريطانيا.
وقد سبق الأميرة سارة بنت طلال بالتمرد أمير سعودي آخر من الجناح السعودي المهمش, يُدعى تركي بن بندر بن محمد بن عبد الرحمن آل سعود, والذي يعيش حالياً في باريس, ثم لحقته الأميرة السعودية بسمة بنت سعود والتي تعيش حالياً في لندن, ومازال الحبل على الجرار.
وكان لابد لمستشارو عبد الله بن عبد العزيز وكذلك أبنائه أن يحثوه على ايجاد بديلاً عاجلا وجاهزا ليحل محل مقرن الخائب, ولابد أن يكون البديل صاحب خبرة وتاريخ قذر لإدارة ذلك الجهاز السعودي المشبوه الذي تركزت مهماته القذرة عبر تاريخيه على خدمة أجهزة المخابرات الغربية من حرب نيكاراغوا وحنى حرب افغانستان, وتلخصت مهماته الداخلية بمراقبة المواطن البسيط المغلوب على أمره, ولا يوجد من هو جاهز ومناسب ومستعد للقيام بتلك المهمة القذرة إلا بندر المغبون, والذي ينتظر الفرصة المُناسبة ليثبت ولائه ويكفر عن خطاياه السابقة, وكذلك بسبب متانة العلاقة بين بندر وبين اللوبي الصهيوني في أمريكا, وهو ما سيساعد على العمل سوياً مع جهاز الموساد على خوض الحرب الإقليمية القادمة.
ولهذا تم اختيار بندر الحاقد ليحل محل عمه مقرن المُدمن, لكي يحاول أن يُرقع ويُرتب ما يُمكن ترتيبه في جهاز الاستخبارات السعودي المهمش, لأن المنطقة مُقبلة على اعصار مُدمر, ومقرن قد أضاع الكثير الفرص من خلال عبثه وعدم اهتمامه واللهث خلف ملذاته, ولم يعد هنالك متسع من الوقت للهو والعربدة.
ولكن السؤال المطروح هو هل سيفلح بندر بن أبيه ليُصلح ما أفسده الدهر وعاث به عمه مقرن؟
نعم سيفلح بندر وبجدارة في فتح بعض الملفات العالقة في المنطقة, وسيُخفق في البعض الآخر منها, فهو مثلاً قادر على تفجير الوضع الداخلي في لبنان, لأن اللبنانيين هم أصلاً على حافة الحرب وكل ما يحتاجونه هو فقط تمويل ودعم مالي وشحن وإيصال أسلحة القتل ثم اشعال شرارة بسيطة لتستعر طوائف لبنان بمن فيها.
وكذلك هو قادر على تحويل سوريا المُترنحة إلى مشروع صومال جديد, لأن بندر هو أصلاً متهم من قبل أجهزة النظام السوري بأنه يقف وراء التخريب والتدمير الحاصل هناك, وهاهو الآن يمسك بتلابيب منصب رئاسة الاستخبارات, فما الذي سيخسره بندر حينما سيُحقق أمنية نظام بشار الأسد؟
وسيحاول بندر أن يُعيد الأوضاع في العراق إلى ما كانت عليه قبل انسحاب الأمريكان, من قتال طائفي وسيارات مفخخات وتهجير سكاني وصراع اثني وطائفي بين العراقيين, لكنه سيفشل في نهاية المطاف, والسبب أن آل سعود وحكومات المنطقة الخضراء كلاهما صناعة أمريكية بامتياز, ولهذا ستقف أمريكا بينهما على الحياد وتتركهم ينهكون بعضهم البعض ثم تأمرهم بالكف عن الصراع والجلوس على طاولة المُصالحة, ناهيك عن أن حكومات المنطقة لخضراء مدعومة أصلاً من قبل ملالي طهران, وعليه سيكون موقف عملاء المنطقة الخضراء أقوى من موقف عملاء الدرعية, ولهذا سيفشل بندر في مشروعه داخل العراق, لكنه سينجح حتماً في جر اليمن الجريح إلى حرب أهلية, حيث سيجعل من اليمن ملل ونحل ومناطق ودول, مادام لآل سعود مواطئ قدم هناك.
وسيسعى بندر جاهداً لإثارة القلاقل والتمرد في داخل إقليم الأحواز العربي, وسيحاول تكرار السيناريو في بعض أقاليم إيران المتمردة كـ بلوشستان, محاولاً نقل الاضطرابات المذهبية إلى داخل العمق إيران, وهي بداية للمواجهة العسكرية بين أحفاد مرخان وملالي طهران, والتي لابد من وقوعها مهما تأخرت ساعتها, والتي ستستنزف الطرفين معاً وهو أمر محمود, فاللهم اضرب الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين.
طبعاً سيصب أمر تعيين بندر بمنصب رئاسة الاستخبارات في صالح الأخ خالد بن سلطان, وسيقوي من مكانته ووضعه القلق في وزارة الدفاع, حيث سيكون حزب أبناء سلطان قوي بما فيه الكفاية لكي يتنافس مع بقية الاحزاب, كحزب أبناء عبد الله وحزب أبناء نايف وحزب أبناء سلمان لاحقاً, لأن الصراع الأسري السعودي القادم سيكون صراعاً نوعياً بين أحفاد عبد العزيز أنفسهم, وسيقضي على مبدأ التصنيف والتخندق القديم, حيث سيتنافس أحفاد السديرية مثلاً فيما بينهم قبل أن يتنافسوا مع ألآخرين, وسيكون التنافس محموماً وربما سيؤدي لاندلاع صراع دموي خصوصاً بين أولئك الذين لديهم ميليشيات عسكرية موالية لهم, أي بين متعب بن عبد الله ومعه الحرس الوطني من جهة وبين محمد بن نايف ومعه قوات الأمن والطوارئ والشرطة من جهة, وبين خالد بن سلطان ومعه تشكيلات الجيش من جهة أخرى.
وسيبقى الترس بندر وحتى عمه مقرن هم مجرد أدوات وبيادق رخيصة في عجلة ذلك الصراع القادم بين هؤلاء الأحفاد الطامحين.
إذن هاهو بندر بن أبيه يرجع نادماً للصف المرخاني, ويعود مُجدداً لميدان إثارة الفتن وحياكة المؤامرات بعد غيبة واختفاء وإقصاء مؤقت, فانتظروا المفاجئات الدموية القادمة, لأن الحرب باتت على الأبواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2012-07-23

الثلاثاء، 17 يوليو 2012

يا لطيف! فوبيا إيران وصلت إلى غرف نوم آل سعود؟

إيران باتت اليوم تُعاني من وطأة الحصار الاقتصادي ومن العزلة الإقليمية وبدأت تُردد مقولة صدام حسين قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق
والمواجهة بين إيران وخصومها قادمة لا محالة وبوادرها باتت تلوح بالأفق وهي تنتظر فقط خطئاً بسيطاً ليشعل شرارة تلك الحرب المُدمرة
لعبت الظروف الدولية والإقليمية الأخيرة لصالح الإيرانيين فدفعتهم إلى العربدة في ظل غياب دور العراق واختلال مصر وتدهور الوضع باليمن
أراد آل سعود استغلال الهاجس الإيراني ليكون بعبعاً رادعاً لكل من يفكر بمعارضتهم فإذا بذلك الهاجس الإيراني يتغلغل إلى داخل قصورهم!
ما دعاني اليوم لكتابة هذا المقال عدة أحداث ومؤشرات وقعت خلال الأسبوعين الماضيين, فجعلتني أعيد قراءة ما حدث وأحاول سبر أغوار تداعيات تلك الحوادث العابرة ومقارنتها مع الحالة العامة لشعوب المنطقة وربطها بأحداث وتداعيات قادمة.
أولى تلك الحوادث هي حالة الإستنفار لقطعات الجيش السعودي المتواضعة وتحركها دون هدى في جهات عشوائية, بعد نفوق نايف وتنصيب سلمان ولياً للعهد بدلاً عنه, مما ولد هلعاً وشعوراً عاماً بالقلق لدى غالبية أفراد الشعب حيث أفصحوا من خلال ما جرى عن حالة من التخبط واللا استقرار والخوف من المُستقبل المجهول.
فبعضهم فسر تلك التحركات العسكرية العشوائية دليلاً على وجود أمر ما وربما خلافات حادة حدثت بين الأحفاد (أحفاد عبد العزيز), وهو ما دفع كل طرف منهم لاستعراض عضلاته الميلشيوية ليردع الآخر ويكبح جماحه ويرد كيد مطامعه.
والبعض الآخر بالغ كثيراً فربط الأمر على أنهُ استعداداً وتهيأة لعملية القبض على الشيخ الشيعي المتمرد على سلطة آل سعود نمر النمر, وهو نوع من المُبالغة والتهويل وتضخيم خطر الشيعة في المنطقة الشرقية.
أما البعض الآخر فقد فسر الأمر على أنه مُجرد تأهب عسكري روتيني وهو عبارة عن حالة ترقب في حال أقدمت تركيا على الرد العسكري وقامت بضرب النظام السوري, وذلك بعد حادثة إسقاط المقاتلة التركية على يد قوات الدفاع الجوي السوري حيث هوت طائرة الـ  F4التركية على الحدود السورية, وأن آل سعود كانوا يخشون من ردة فعل سورية أو ربما إيرانية عنيفة في حال تم ضرب سوريا.
أما بعض المراقبين فقد ربطوا بين حالة الاستنفار لقوات آل سعود المُهلهلة مع قرار أمريكا والدول الغربية في فرض حظر دولي على النفط الإيراني, وهو ما سيدفع إيران ربما إلى الرد بتهور ومن ثم قيامها بإغلاق مضيق هرمز, التي طالما هددت بتنفيذه في حال تم تطبيق الحظر النفطي على طهران, وهو ما أصاب آل سعود بحالة هستيرية بعد أن علموا أن واشنطن قررت اتخاذ قراراً يقضي بحظر النفط الإيراني دون مشاورتهم, فسارعت الرياض لملأ الفراغات في المناطق والمدن الرخوة, وذلك من خلال نشر بعض القوات السعودية المُشكلة ما بين جيش نظامي وحرس وطني وقوات أمن وطوارئ.
وبعيداً عن الأسباب الحقيقة وراء تكدس عجلات آل سعود العسكرية المهترءة في الشوارع, وبعيداً عن أسباب ذلك التحشيد المُرتبك والعاجل, حتى أن أغلب المُستنفرين كانوا لا يعلمون سبب تحركهم أو سبب ذلك التأهب!
إلا أن من خلال ذلك التحرك أظهر لدينا حالة من الهلع الشعبي العام وكشف لنا عن شعوراً طاغياً بالرعب من المُستقبل المجهول, خصوصاً من قبل أولئك الذين يعتبرون آل سعود هم ربهم الأعلى وأنهم بدون وجود آل سعود سينتهون, فبعضهم أصيب بأم الركب حينما علم أن هنالك صراعاً دام وخلافات عنيفة دارت بين الأحفاد, وأن أولئك الأحفاد بدؤوا يحركون أزلامهم وأتباعهم لإرعاب وردع بعضهم البعض؟
والبعض الآخر كان يحاول شحذ همم ولاة أمره ويحذرهم من خطر التدخل الحتمي لإيران وقضائها على دولة التوحيد المزعوم, وأنها ستستغل الفرصة وستدعم الشيعة في المنطقة الشرقية, وستدعم انفصال إقليم القطيف والأحساء الشيعي!
بينما البعض منهم كان مُرتبكاً ويفكر بدافع من اليأس والتسليم بالأمر الواقع, لكنه بدأ يحسب ويترقب, فيقول ماذا سيحصل لنا وماذا سنفعل لو تصارع آل سعود فيما بينهم على الحكم وأصبحت الدولة فوضى؟
والبعض من هؤلاء كان يتصرف بسذاجة وتفكيره كان منصباً على راتب آخر الشهر وهل سيجد صرافاً آلياً يستطيع من خلاله أن يستلم راتبه في حال وجود فوضى, وبعضهم كان يفكر عن بدائل للكهرباء وكيف سيعيش بدون أجهزة تكييف مع أجواء الرياض الجهنمية.
ومن خلال سبر أغوار أولئك الهلعين البائسين يتضح لنا أنهم قد سلموا بأن دولة آل سعود هي عبارة عن دولة كارتونية آيلة إلى السقوط الحتمي في أي لحظة, وأن ماما أمريكا هي الراعي الرسمي وهي الحامي الحقيقي ولولاها لضاعوا وتشردوا في الفيافي والقفار, وأن آل سعود هم أزلام أمريكا المفضلين وإذا ما ذهبوا فسوف تتخلى أمريكا عن الشعب وسيضيعون.
ولاشك أن هنالك كثير من المواطنين الشرفاء العقلاء كانوا يتحرقون ألماً ويشعرون بالإهانة حينما يروا ذلك الحكم السعودي الكرتوني الفاشل البائس الذي جعل بلادهم عبارة عن فطيسة أو لقمة سائغة تتصارع عليها ضباع المنطقة وذئاب الغرب.
وهم يلمسون الأخطار المحدقة بالبلاد والعباد ولكنهم عاجزون وسيفشلون مُستقبلاً في الذود عن وطنهم بسبب الاهمال والتجاهل والاعتماد على قوى الأجنبي, فلا وجود لجيش حقيقي يحمي البلاد, ولا هنالك تجنيد إلزامي يجعل من مليون شاب عاطل ليؤهلهم كجنود محترفون بواسل, ولا هنالك مراكز أهلية أو جمعيات شبابية للتدريب العسكري حتى يتهيأ أفراد الشعب للدفاع عن البلد في حال تعرض لغزو خارجي أو أي اعتداء من أي طرف.
وبالرغم من مرور 22 عاماً على أزمة الكويت وافتضاح أمر آل سعود بعدما عجزوا عن حماية عرشهم, واستعانوا بمجندات أمريكا للذود عن بيضة إسلامهم السعودي, فمازالوا لحد الآن عاجزين عن تكوين جيش محلي قادر على حماية أنفسهم ومازالوا يعتمدون في بقائهم على بساطيل الجيش الأمريكي!
ولهذا كل الرجال ولا أتحدث هنا عن أشباه الرجال, بل أقول جميع الرجال في داخل جزيرة العرب يشعرون بالإحباط لدرجة الإذلال لأنهم مقيدون وعاجزون عن الذود عن بلادهم ومازال الوطن رهينة بيد واشنطن, ومازالوا عاجزين عن رد المارد الإيراني.
فلاشك أن هنالك هلع ورعب أصبح شبه دائم يُطارد أغلب سكان جزيرة العرب من تغول الدور الإيراني في المنطقة, ويُغذي ذلك الاحساس بالخوف شعور عام بالتضاؤل والتراجع أمام قوة وغطرسة الغول الإيراني المُتصاعد, حيث استشرست إيران وتمددت فأصبحت خطراً داهماً على شعوب تلك المنطقة قبل حكامها, والجميع بات يلمس أن إيران أخذت تتدخل بشكل فج وسافر سواء في العراق أو حتى في الشؤون الخليجية وباتت تهدد وتعربد دون رادع أو خشية أو حتى قيود, وعليه فإنها أصبحت في نظر بعض دول الخليج على أنها العدو الأول والخطر الداهم على مستقبل تلك المنطقة النفطية وعلى شعوبها المكشوفة والمغلوبة على أمرها.
والحقيقة أن حكومات دويلات الخليج قد انقسمت كعادتها حول رؤيتها وموقفها من الجار الإيراني المتحفز, فمنهم من صنف إيران على أنها عدواً استراتيجياً وخطراً داهماً أشد خطورة من العدو الإسرائيلي, وبدأ يُرسل إشارات إيجابية على أنهُ على استعداد تام للتعاون مع تل أبيب في سبيل إزاحة ذلك الكابوس الإيراني الجاثم على صدور حكام المنطقة, وبدأ يُفلسف طبيعة العلاقة من الصهاينة مبرراً أن العداء مع إسرائيل بات من مخلفات الماضي وقد انتفت أسبابه.
ومنهم من أصيب بفوبيا إيران حتى أفقدته توازنه وفقد صوابه فاتهم ثلثي شعبه بأنهم عملاء للفرس وأتباع لإيران وأنهم مُجرد بيادق رخيصة بيد ملالي قم وطهران, وهو بهذا يكون قد تبرع مجاناً لإيران بثلاث أرباع شعبه لأنهم من الشيعة الذي لا يأمن الحاكم بوائقهم, فجازاهم جزاء سينمار, وذلك حينما صوت شيعة البحرين لاستقلال البحرين وأعلنوا عدم انضمامهم لإيران الشاه في عام 1971م, وبهذا يكون قد خسر الملك التعيس هذا ركناً مهماً من أركان عرشه وربحت إيران تلك الهدية الثمينة التي قدمها لها العميل المُرتعب صنيعة الإنجليز.
ومنهم من اعتبر إيران على أنها دولة لدودة قوية وطامحة وهي الآن تحتل جزره الثلاث, وإن أحمدي نجاد قد استفزهم من خلال زيارته الميدانية إلى جزيرة أبو موسى, ولكن مع هذا يمكن التفاهم مع الإيرانيين وحل جميع المشاكل العالقة معهم عن طريق الحوار أو حتى عن طريق محكمة العدل الدولية, أولاً بذريعة أنهم لا قبل لهم بمواجهة إيران, وثانياً يرى أن خطورة إيران هي قطعاً لا تضاهي خطر تنظيم الإخوان المسلمين, ولهذا يجب ركن قضية إيران جانباً في الوقت الحاضر والتفرغ لمواجهة الخطر الاخونجي الداهم وخوض معارك خلفان الدينكشوتية.
وهنالك من بلع خازوق صباحي أصلي كان من صنع يديه وحياة عينيه, وبات ينطبق عليه مقولة (دبور زن على خراب عشه) فبعد أن كان صدام حسين المقيد أممياً جاراً له؟ أصبحت إيران الفارسية المتغولة الطامعة الطامحة المتعجرفة والمُتأهبة تجاوره برياً وعلى مرمى حجر من قصر مشرف, وذلك بعد أن سعى بكل ما استطاع من مال وخبث وتأليب وتحريض لتدمير العراق, ولما تحققت أمنيته الشيطانية تلك بتدمير بلاد الرافدين, انقلبت الآية عليه وجرت الرياح السياسية على غير ما تشتهي سفنه البحرية وأتت التغييرات المذهبية وحتى الجغرافية على عكس ما تمنى, فأصبحت طهران جارة له تحده برياً وميلشياتها الشيعية الضاربة قادرة على إعادة الكرة مرة أخرى, فأعادت له سيناريو وذكريات الهروب الكبير إلى الخفجي.
وهنالك من نأى بنفسه واتخذ موقف الحياد أو التجاهل والابتعاد عن المشاكل كعادته, ورفع شعاره الدائم (طنش تعش تنتعش) فلم يعد يأبه أو يهتم كثيراً بكيان ذلك المجلس الخليجي الهش, وشخصياً لا ألوم السلطان قابوس إذا ما تجاهل كيان (حلف الإخوة الأعداء) واعتزل تلك الفتن التي لم تجلب للشعوب العربية وشعوب المنطقة غير الموت والدمار وخراب الديار, فلو حظينا بمواقف حيادية حذرة ورصينة منضبطة كمواقف قابوس لما حدثت ثلاثة حروب دموية في المنطقة, والرابعة باتت وشيكة على الأبواب.
وبالإضافة إلى ذلك الهلع والرعب الحكومي من الخطر الإيراني الداهم والمُهدد لديمومة العروش الإنجليزية العتيدة, وجدت بعض الأنظمة الخليجية وعلى رأسها السعودية الذريعة أو المسوغ لجعل من البعبع الإيراني شماعة أو بمثابة السلاح الرادع أو (الخريعة) لأي شخص يُفكر مجرد تفكير بمُعارضة حكم آل سعود؟
وذلك من خلال التلويح بالبعبع الإيراني واتهام كل مُعارض للنظام السعودي على أنه مدعوم وممول مالياً من قبل العدو التقليدي الإيراني, وقد أستطاع ابن سعود أن ينجح في الترويج لتلك الأكاذيب وكذلك التغرير بعقول الكثيرين من خلال العزف الدائم على وتر الطائفية والمذهبية البغيضة, علماً أن غالبية شعبه من سكان المنطقة الشرقية الغنية بالنفط هم على المذهب الشيعي!
علماً أن آل سعود مازالوا يحتفظون بعلاقات دبلوماسية وتعاون استخباري وثيق مع الإيرانيين, فقبل نفوق نايف بن عبد العزيز بشهرين التقى برئيس الاستخبارات الإيراني, وقد استقبله بالأحضان وجلسا معاً وتبدلا الأخبار والمعلومات بحضور مقرن ولد بركة.
وقبلها بعدة أشهر رست البارجة الحربية الإيرانية التي كانت تحمل الأسلحة للنظام السوري في ميناء جدة, وقد تم تزويدها بالوقود السعودي قبل أن تغادر وتكمل مسيرتها نحو ميناء طرطوس السوري, وقد شكر الإيرانيون آل سعود على تزويد بارجتهم الحربية بالوقود.
ومع هذا لم نسمع لأبواق آل سعود أي حس بل بلعوا ألسنتهم وصمتوا صمت القبور, بينما يحلوا لآل سعود اتهام الخصوم بالتعاون مع إيران ويعتمدون في ذلك التسويق الرخيص على الشحذ الطائفي في استغلال سذاجة وحمق فئة كبيرة من أبناء الشعب, حيث يحركون في داخلهم مشاعر الكره ونوازع البغض والحقد المذهبي فيتبعهم كل ناعق جاهل وكل خائب مأجور.
فأصبحت شماعة الدعم الإيراني جاهزة ومعلبة, بل وزاد عليها اتهام كل مخالف للسياسة أو المنهج (الوهابي) على أنهُ رافضي المذهب أو صوفي قبوري, وأخيراً برزت تهمة جديدة ومعلبة وهي اتهام الخصم بأنهُ إخونجي, وتلك التهم والهرطقات أصبحت من مضحكات آل سعود وزبانيتهم, ولن تفاجئ حينما تجد أتباع آل سعود وهم يكفرون ويبدعون أي شخص لا يتبع آل سعود أو لا ينساق خلف تعاليم كنيستهم النجدية حتى جعلوا من "نجد مُسيلمة" أرض العسل واللبن والمن والسلوى!
فأي شخص يخالف آل سعود ويكشف زيفهم فهو في نظر هؤلاء صنيعة إيرانية ويتلقى الدعم من طهران!
فأصبحت إيران هي العدو وهي البعبع وهي المشكلة وهي الحل بنفس الوقت للنظام التعوسي, فأسهل طريق لأجهزة النظام الأمني السعودي في حال أرادوا التخلص من إزعاج لأي منتقد أو داعية أو مُعارض هو القدح في دينه أو مذهبه ورميه بتهمة الرفض, أو اتهامه بشكل عام بأنه مدعوم من قبل إيران.
ولطالما نجح النظام السعودي في تسويق تلك الأباطيل الجوفاء من خلال استغلال الخطر الإيراني لدى شرائح كبيرة من أبناء الشعب المغيبين, إلا أن الهاجس الإيراني هذا قد تحول لاحقاً إلى فوبيا مرضية ملكية, فأصبح نظام آل سعود لا يتورع من اتهام أقرب الناس إليه بـ(الأيرنة) فيرميه بتهمة تلقي الدعم من قبل ملالي طهران, وهو الأمر الثاني الذي دعاني لكتابة هذا المقال, وهو وصول فوبيا إيران إلى فراش وغرف نوم آل سعود!
فقبل فترة وجيزة وبخت الأميرة السعودية بسمة بنت سعود من قبل النظام السعودي, والتي تعيش حالياً في لندن والعاشقة للأضواء والمُحبة للظهور الإعلامي, وذلك بعد ظهورها المفاجئ على قناة العالم الإيرانية, مما اضطرها للاعتذار لاحقاً للأسرة عن خطئها الاستراتيجي, لأنها لم تعرف حقيقة أهداف تلك القناة الإيرانية حسب قولها, وأن القناة قامت بتحريف تصريحاتها, وقد أتى التوبيخ أوكاله.
إلا أن ما جاء في التصريحات الأخيرة للأميرة السعودية الأخرى سارة بنت طلال إلى صحيفة التليغراف, والتي طلبت مؤخراً حق اللجوء السياسي إلى بريطانيا, قد قلب الطاولة على رأس آل سعود, وأثبت من خلال تصريحها أن آل سعود باتوا يُعانون فعلاً من فوبيا أو عقدة إيران فأخذوا يشكون حتى في أقرب الناس إليهم وهن نساء قصورهم, بحيث باتوا يرتابون حتى بالأميرات السعوديات!
فقد ذكرت الأميرة السعودية سارة بنت طلال بن عبد العزيز أنهم قد اتهموها بتلقي الدعم من قبل إيران!
إذن من الآن فصاعداً على كل مخالف أو مُعارض لآل سعود أن لا يقلق كثيراً من فرية وتلفيق تهمة رخيصة كالادعاء أنهُ مُتعاون مع إيران أو يتلقي الدعم من قبل ملالي طهران, مادام النظام السعودي الأرعن قد خرج عن طوره وبدأ يتهم الأميرات السعوديات أنفسهن بتلقي الدعم من قبل إيران, وهو ما حصل مؤخراً مع حفيدات عبد العزيز بن عبد الرحمن بن سعود.
لأن النظام السعودي بدأ يفقد توازنه ويترنح, وهو يشعر أن خطر الإيرانيين بات ملموساً وداهماً ومهدداً لبقائه, فأصبح شبح إيران يطارد آل سعود في كل مكان, ولهذا لم يوفروا حتى الأميرات السعوديات من تهمة التآمر مع إيران على قلب الحكم.
ورب سائل يقول : وهل تُشكك بخطورة ومطامع إيران؟
وجوابي سيكون بالتأكيد لا, لأن إيران أصبحت قوة متغولة وشرسة ومنفلتة وباتت تشكل خطراً حقيقياً على مصير ومستقبل دويلات أو أنظمة كراتين الخليج, لكن السؤال المقابل هو : من أوصل إيران لتلك القوة الغاشمة؟
ومن هو الذي تآمر على دور العراق كدولة رادعة فشارك في تدميرها لكي يفسح الطريق لإيران المنهزمة لكي تسيطر عليه ويمتد نفوذها حتى وصل إلى الشام؟
من هو الذي كان يدعم المعارضة العراقية الشيعية ويستقبلهم في فندق صلاح الدين في الرياض, ويمولهم بملايين الدولارات؟
من هو الذي أطلق إذاعة (صوت العراق الحر) من جدة ونصب لها مرسلات إذاعية على حدود العراق لخلخلة نظام صدام حسين في العراق؟
ومن شارك في حصار العراق لمدة 12 عاماً وإنهك شعبه, وأقر خطوط العرض الخاصة بالحظر الجوي على العراق, بحجة حماية الشيعة في الجنوب والأكراد في الشمال؟
بل من هو العميل الرعديد الفاسد اللص الذي تخاذل وفشل طوال أربعة عقود من أن يبني جيشاً عقائدياً محترفاً وقوات حقيقية ورادعة لإيران ولغير إيران؟
شخصياً أرى أن على ملالي إيران أن تضع نُصباً لتماثيل حكام الخليج في شوارع ظهران تقديراً لهم ولجهودهم الجبارة في تدمير العراق, فهؤلاء الرعاديد هم من جعل إيران تتغول وتفرد عضلاته على الشعوب العربية في منطقة الخليج العربي, وهم نائمون في العسل ويتسابقون في إطلاق القنوات الفضائحية وخوض مسابقة مزايين الإبل ورقصة اليولة, ومُعتمدين اعتماداً كلياً على بساطيل مارينز ماما أمريكا في حماية عروشهم وإدامة كروشهم.
وليعلم آل سعود أن مرحلة البروكسي قد انتهت, فلم يعد هنالك أطراف تستطيع الذود عن آل سعود بالوكلة, فمرحلة الحروب بالنيابة قد ولت, فلا أمريكا المُنهارة مستعدة للدفاع عن عرش آل سعود ولا حتى العراق قادراً أو يقبل مبدأ الدفاع عن العرش السعودي كما حصل أبان حرب الخليج الأولى.
أذكر أني شاهدت كلمة للملك السعودي فهد بن عبد العزيز في عام 1990م, وهو يبرر قرار جلبه للقوات الأمريكية, ويسرد مواقفه المشرفة مع الجاحد صدام حسين, وكيف أنهُ وقف مع العراق في حربه الدموية مع إيران, ودون أن يشعر فهد ذكر معلومة تدينه قبل أن تدين صدام؟
حيث ذكر الملك فهد من ضمن ما ذكر عن مراوغة وكذب صدام حسين حسب قوله, أنه ذكر :
(أن السعودية كانت تدفع مبلغ 20 ألف دينار عراقي لكل شهيد عراقي يسقط في الحرب مع إيران!).
ثم قال : (وقد وصلتنا معلومات مؤكدة أن صدام حسين كان يعطي 10 آلاف دينار عراقي فقط لأسرة الشهيد ويأخذ الباقي, ومع هذا سكتنا ولم نتكلم في حينها!).
وهنا يثبت الملك فهد على أنهم دفعوا صدام أو ورطوه في تلك الحرب الضروس, ثم سرعان ما تآمروا عليه حينما دخل الكويت, والمخزي أنهم اليوم يتباكون على ذكراه وهم من قدمه قرباناً على مذبح واشنطن وطهران, ثم عادوا ليرقصوا العرضة النجدية مع سيدهم السفاح جورج بوش!
إذن بعد الآن لن يجد آل سعود صداماً آخر ليكون مصداً لهم ورادعاً لإيران, ومصر مبارك تغيرت فأصبحت مصر مرسي, ولن يخوض إخوان مصر حرباً بالنيابة عن السعودية أو الخليج وهو يُعاملونهم كحشرات موبوءة, وحتى اليمن في وضعها الحالي لن تكون بروكسياً عراقياً آخر للذود عن كروش آل سعود.
لم يبقي سوى الرهان على قوة أمريكا وإسرائيل؟
أما أمريكا فقد تجرعت السم الزعاف كما تجرعه الخميني من قبل في العراق وحتى في جبهة أفغانستان, ولن تكرر حماقاتها حتى ولو نجح الجمهوريون في الانتخابات القادمة.
وأما دويلة المسخ إسرائيل فأقصى ما تستطيعه هو ضرب المفاعلات النووية الإيرانية من خلال ضربة جوية, وهي بهذا تكون كمن فتح عش الدبابير على نفسه وعلى دويلات الخليج, ناهيك عن العلاقة التاريخية القديمة والوثيقة بين الفرس واليهود, فمازال اليهود يحفظون المعروف للملك الفارسي كورش الأكبر الذي حررهم من الأسر البابلي العراقي وأعادهم لبلادهم.
مع هذا فإن الحرب في المنطقة قادمة لا محالة ليس لأن أمريكا ترغب بها, ولا لأن إيران شغوفة بها, ولا أيضاً لأن إسرائيل قادرة على خوضها لوحدها؟
بل لأن إيران باتت تُعاني جراء ويلات الحصار الاقتصادي وآخرها كان الحظر النفطي, وبدأنا نسمع مقولات تهديد ووعيد شبيهة بمقولة صدام حسين الشهيرة (قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق).
فباتت تلك المقولة تتردد على ألسنة الإيرانيين وكأن التاريخ يعيد نفسه ولكن هذه المرة الأطراف تعددت والمساحات توسعت, بل صرح أحد المسؤولين الإيرانيين اخيراً أن السعودية وعدت وزير النفط الإيراني رستم قاسمي بعدم تعويض النفط الإيراني لكنها حنثت بوعدها وزادت من انتاجها!
ولهذا فإن حرب الخليج الرابعة قادمة لا محالة ليس لأن الأطراف المتخاصمة ترغب بخوض الحرب؟
بل لأن المنطقة أصبحت عبارة عن برميل بارود في داخل حقل ألغام ولا مناص من المواجهة سواء باندلاعها صدفة بسبب خطأ بسيط أو بسبب اليأس والذهاب نحو حافة الهاوية.
فالولايات المُتحدة الأمريكية جلبت حاملات طائرتها العملاقة وبوارجها الحربية إلى منطقة الخليج العربي, وهي تحتفظ الآن بحاملة الطائرات – اينتربرايز داخل مياه حوض الخليج وكذلك لديها حاملة الطائرات - جون سى ستينيس - في خليج عُمان, ولديها أكثر من غواصة ضخمة وأيضاً هنالك ثمان غواصات صغيرة آلية بدون طاقم مهمتها تفجير الألغام البحرية عن بعد.
وإيران بالمُقابل لديها عدة غواصات روسية قديمة وهي تنصب شبكة صواريخ أرض – بحر متطورة, كما تهدد بزرع مضيق هرمز بملايين الألغام البحرية, وحتى لو كانت تهديدات إيران جوفاء ومجرد ثرثرة وهياط فارغ, فالأيام القادمة تنذر بالمواجهة الحتمية بين البحرية الأمريكية وبين قطعات إيران البحرية, لأن هنالك حالة من الهلع تنتاب جنود البحرية الأمريكية والدليل أنهم أطلقوا ليلة الأمس نيران مدافعهم على زورق صيد إماراتي كان طاقمه من العمالة الهندية, وهي إشارة على قرب اندلاع المواجهة بين الطرفين والأمر لا يحتاج إلا خطأ عارض كما حصل ليلة البارحة مع الزورق الإماراتي.
فكل الدلائل والتداعيات تقول أن هنالك مواجهة قادمة لا محالة خلال الأشهر القادمة, فالأمريكان والإسرائيليون يزعمون أن إيران ستنتج قنبلتها النووية خلال عامين على أكثر تقدير, وهم سبق وقالوا في عام 2006م أن إيران ستتمكن من انتاج قنبلة نووية في عام 2012م, ويبدو أن إيران تعاني من مشاكل تقنية في تصنيع القنبلة النووية.
وإيران يمكن لها تحمل الحصار الاقتصادي لكنها قطعاً لن تتحمل الحظر النفطي على بترولها وغازها, مع أن أمريكا سمحت لـ 7 دول باستيراد النفط الإيراني ربما لتخفف الوطء عن طهران وتحاول أن تنفس عنها الاحتقانات الداخلية, ولكن هل سترضى طهران بخنقها نفطياً وهي ترى ناقلات النفط السعودية العملاقة وهي تمخر عباب مضيق هرمز وتبقى صمتة وهي تتحسر على نفطها؟
أشك في ذلك حتى ولو كانت أعصاب إيران من ثلج, ولهذا ستشهد المنطقة مشاكسات واستفزازات إيرانية غير متوقعة, وربما ستكون شرارة تلك المناورات قابلة لإشعال حرب طاحنة في منطقة الخليج, وكما قال الشريف الرضي :
تَوَقّعُوها فقَدْ شَبّتْ بَوَارِقُهَا *** بعارض كصريم الليل مدجون
أما آل سعود فأقول لهم أربطوا السراويل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2012-07-17

الثلاثاء، 10 يوليو 2012

آل سعود وعقدة النقص من المصريين!

منذ أن قام إبراهيم باشا بمسح عاصمة أحفاد مرخان -الدرعية- من على الخارطة وآل سعود مرتعبون من عودة مصر لدورها الطبيعي
كان عبد العزيز بن سعود يخشى كثيراً من مكانة مصر ويشعر بالنقص أمام هيبة ملوكها وقد أوصى أبنائه بالحذر الدائم من المصريين
وقد سار أبناء عبد العزيز كل من سعود وفيصل على نفس النهج فكانوا على الدوام يثيرون القلاقل ويحيكون المكائد أمام نهضة مصر
واليوم يسعى آل سعود جاهدين لجعل مصر الجديدة عبارة عن نظام هزيل خانع لهم كما كانوا يفعلون أبان حكم المخلوع حصني مبارك
ربما يتساءل الكثيرين عن السر الذي يجعل آل سعود ينقمون كل تلك النقمة على المصريين ويظهرون كل هذا الحقد والبغض ضد حكام مصر المُستقلين, علماً أن مصر وشعبها هم على مذهب أهل ألسُنة والجماعة وهي بعيدة جغرافياً عن السعودية وليس لها تماس حدودي مع مملكة آل سعود, فلماذا يستهدفون مصر تحديداً ويتحسسون من دورها الإقليمي بينما يوفرون حقدهم ومكرهم ويتجاهلون العدو الصهيوني!؟
الحقيقة أن عقدة آل سعود من الدور المصري قديمة وموغلة فهي تعود لأيام حكم محمد علي باشا الذي سقاهم كأس المر والهوان فأسقط دولتهم الفتية وحكم جزيرة العرب لمدة 23 عاماً, حيث استطاع ولده البكر إبراهيم باشا أن يزيل الحكم الوهابي بحد السيف ويهدم عاصمتهم الدرعية, فجعلها أثراً بعد عين.
ليس هذا فحسب بل جلب إبراهيم باشا أميرها المهزوم عبد الله بن سعود أسيراً لمصر هو وحريمه ورهبان كنيسته من أسرة آل الشيخ, ولهذا أصبح المصريين يمثلون كابوساً رهيباً بالنسبة لآل سعود, كيف لا وهم من أنهى حكم أسرتهم الأولى وحمل حاكمها عبد الله بن سعود ذليلاً مُهاناً إلى اسطنبول ليعدم هناك بالخازوق العصملي أمام مسجد آيا صوفيا في اسطنبول.
كانت دولة الخلافة العثمانية في حينها قد سئمت من تعديات الوهابيين فأرسلت لهم كيخيا العراق (الكتخدا علي) ليزيل إمارة الوهابيين الذين عاثوا في طريق الحج قتلاً وفساداً, وبدؤوا يغيرون على تخوم العراق وينهبون مدنه وقراه ويقطعون سبيل المارة, ففشل الكخيا علي بسبب تخاذل ضباطه وشراء ذمم بعضهم من قبل سعود بن عبد العزيز, وكذلك بسبب تآمر أحد بشوات الكيخيا وهو عبد العزيز الشاوي مع ابن سعود, فآثر كيخيا العراق الانسحاب بعد أن أدرك أن النصر لن يكون حليفه, ولهذا سلم عبد العزيز وولده سعود من الفناء المحتوم, لكن سرعان ما أرسلت دولة الخلافة العثمانية الأوامر إلى والي مصر الصنديد محمد علي باشا ليقوم بالمهمة ويقضي على تلك الشرذمة الباغية التي عاثت في الأرض فساداً.
وقد نجح ولده إبراهيم لاحقاً بالقضاء على حكم آل سعود, ولهذا يحق لهم ليوم وغداً الخوف والرعب من عودة الدور المصري إلى الريادة, فما فعله إبراهيم باشا بآل سعود وآل الشيخ ولدت لديهم ولدى أبنائهم وأحفادهم وأحفاد أحفادهم عقدة نقص أزلية باتت تقض مضاجعهم وتطاردهم وتجعل قلوبهم ترتجف في حال نبوغ أو ظهور لأي نهضة مصرية.
وما دعاني اليوم للكتابة في هذا الموضوع التاريخي, هو ترويج الصحف السعودية لخبر زيارة الرئيس المصري الجديد محمد مُرسي إلى السعودية, وإدعاء وسائل إعلام آل سعود أن مرسي قرر أن يزور السعودية كأول محطة له بعد فوزه بالانتخابات, مُلمحين على أن رئيس مصر بات مرغماً على المجيء إلى السعودية وهو صاغر لإبداء الولاء لملكها المهبول!
ومما يؤكد ذلك الزعم المريض هو قيام صحيفة الشرق الأوسط السعودية المملوكة لولي العهد السعودي سلمان بن عبد العزيز, بنشر خبر على واجهة الصحيفة يبشر بزيارة الرئيس مرسي المُرتقبة يوم الأربعاء للسعودية, مع وضع صورة مهينة ومتعمدة لمؤسس حركة الإخوان المصريين حسن البنا وهو يُقبل يد عبد العزيز بن سعود!
وهم هنا يتعمدون إهانة الشعب المصري عندما وضعوا تلك الصورة القديمة والمهينة لحسن البنا وهو مطأطأ الرأس ويُقبل يد عبد العزيز بن سعود, وكأنهم يرددون مقولة خرف دبي الشهير (ضاحي خلفان) الذي قال في إحدى تغريداته على موقع تويتر :
(أن مرسي سيأتي حبواً إلى الخليج وسيقبل يد الملك عبد الله كما قبل حسن البنا يد عبد العزيز)!؟
طبعاً الرئيس محمد مرسي سيبلع تلك الإهانة الصارخة كعادة الإخوان الانتهازيين وسوف يشرب خلفها كوباية مية, لأنهُ الآن في مرحلة ما يُسمى (إذا كان لك حاجة عند الكلب؟ قل له يا سيدي).
لكن للأمانة يجب أن أوضح عدة أمور نصرة لأشقائنا في مصر وشهادة للتاريخ؟
أولاً رغم خلافي وبغضي لمنهج الإخوان المُتزلفين, لكن يجب احترام الرئيس المصري محمد مُرسي, ليس لأنهُ إخوانياً تشبع بمبادئ التملق والانتهازية, ولكن لكونه أصبح رئيساً لجمهورية مصر العربية ونزع عن كاهله رداء الإخوان حتى ولو شكلياً, وعليه وجب التنويه؟
أولاً الرئيس المصري محمد مرسي لم يطلب زيارة السعودية ولا حتى مقابلة الملك السعودي كما روجت صحف وعبرية آل سعود؟
بل أن السفير السعودي في مصر أحمد القطان بنفسه هو من طلب مُقابلة الرئيس المصري محمد مرسي, وحينما وافق الرئيس المصري على مقابلته, أبلغه تهنئة الملك السعودي, وحمل له دعوة رسمية من قبل الملك عبد الله لزيارة السعودية؟
وأي رئيس في العالم مهما كان فجاً وممتعضاً أو غير آبه, لا يستطيع رد دعوة وجهت له من قبل ملك يزعم أنهُ خادم للحرمين, وهذا لا يعني تأييدي لموافقة مرسي على لقاء من تآمر ويتأمر على مصر صبح مساء, ولكن هو توضيح للقراء ولبعض السذج التي طاروا وصدقوا أن مرسي سيحط رحاله ويقبل يد الأطرم عبد الله كما فعل حسن البنا, وصدقوا البروغاندا السعودية الرخيصة.
ومن لا يصدق ما أقول؟
ليرجع لتصريح السفير السعودي في القاهرة أحمد القطان, الذي قال بلسانه أنهُ هو من حمل الدعوة الرسمية الخاصة من قبل الملك عبد الله للرئيس المصري محمد مرسي لزيارة السعودية ومقابلة الملك السعودي, وقد وافق الرئيس المصري وحدد لهم اليوم المُناسب.
هذه النقطة الأولى التي وجب توضيحها وفضح أكاذيب الإعلام السعودي الرخيص, أما الأمر الآخر وهو مُحاولة إظهار المصريين على أنهم مُتهالكين وتابعين خانعين لآل سعود من خلال وضع صورة حسن البنا وهو ينحني لتقبيل يد عبد العزيز؟
فصحيح أن هنالك بعض المصريين ممن أدمنوا التملق ومازالوا يتملقون آل سعود وهم مستعدون للعق الجزم في سبيل الحصول على طفسة ريالات سعودية, وشعارهم الدائم (أكل العيش صعب والرزق يحب الخفية), ولكن غالبية أبناء الكنانة شرفاء وكرماء نفس وأصحاب عزة وسمو ولن يرضوا بالذل والهوان, ودلائل التاريخ ثابتة وواضحة, فمن استرجاع أراضيهم المُحتلة من قبل إسرائيل إلى خلعهم للطاغية مبارك وكلها دروس وعبر مصرية عظيمة في مبادئ العزة والكرامة موجهة لكل فاقدي الشرف والكرامة.
والسؤال هو هل يُمثل حسن البنا من خلال تلك الصورة المزرية الشعب المصري؟
بالقطع لا؟
فحسن البنا لم يكن حاكماً لمصر, ولم يكن ملكاً عليها أو رئيساً ولا حتى وزير؟
كان مواطناً مصرياً بسيطاً وطامحاً وقد استُغل ابشع استغلال من قبل زبانية ابن سعود, وذلك من خلال أحد ابناء جلدته المُستخذى سعودياً وهو حافظ وهبة؟
وحافظ وهبة هذا مواطن مصري ولكنه شخص انتهازي رخيص, سبق وأن عاش في الكويت ودعم الشيخ الجليل محمد الشنقيطي في تحريض الكويتيين على الإنجليز, وحينما جد الجد وأتت الأفعال ذهب الشيخ الشنقيطي يُقاتل مع جيش الدولة العثمانية ضد الانجليز في معركة الشعيبة في البصرة, بينما تملص حافظ وهبة وهرب لاحقاً إلى عبد العزيز بن سعود وأصبح أحد زبانيته وأحد مراسيله إلى الإنجليز!!
إذن حسن البنا فقد اُستغل من قبل أبن جلدته حافظ وهبة لغرض تجميل صورة عبد العزيز بن سعود هذا من خلال الترويج له ومنحه هالة وقدسية لدى بسطاء المصريين ليكون خليفة مزعوم للمُسلمين, وبهذا يسحب البساط من تحت أقدام الملك فؤاد ويهمش دور مصر التي تقلق آل سعود.
وهنالك من يعتقد أن الغرض من مهمة حافظ وهبة هي دعم التنظيمات الإسلامية في مصر كي ينشغل الملك فؤاد بشؤونه الداخلية ويتورط مع جماعة الإخوان وغيرها من تنظيمات إسلامية, لكي يذوق ما ذاقه عبد العزيز مع إخوان من طاع الله.
وهنالك من يعتقد أن مهمة حافظ وهبة كانت مُجرد مهمة رسمية عادية الغرض منها جلب مُدرسين مصريين ملتزمين دينياً لغرض غسيل أدمغة أتباع إخوان من طاع الله المُتشددين ولا يقدر على تلك المهمة سوى مطاوعة مصر المُنفتحين, لكن من يعرف شخصية ودور حافظ وهبة لن يحسن الظن أبداً في أدواره الخبيثة.
ولهذا كانت علاقات الخبيث حافظ وهبة ممثل عبد العزيز الخاص وثيقة جداً ووشيجة ببعض مشايخ مصر مثل الشيخ رشيد رضا والشيخ محب الدين الخطيب, بل ساعد حافظ وهبة الشيخ أحمد البنا مالياً وقام بتمويل طباعة كتابه (فتح الباري) وهو بالمناسبة والد الشيخ حسن البنا, إذن حينما نرى تلك الصورة الأرشيفية التي يظهر فيها حسن البنا وهو يُقبل يد عبد العزيز فقطعاً هو لا يمثل إلا نفسه, ولعله كان يرد المعروف السعودي بطريقته الخاصة.
لكنه قطعاً لا يمثل الشعب المصري العزيز الكادح ولا يتحمل أبناء المحروسة ولا حتى الحكومة المصرية تبعات أرشيف الخضوع وتقبيل الأيادي, ولكن اختيار صحيفة الشرق الأوسط لتلك الصورة المهينة تحديداً وفي هذا التوقيت حصراً, كان القصد منها الإيغال في الإهانة وتعميم الاساءة على كل المصريين الأغيار, وعليه فمن حق المصريين أن يردوا على تلك الإهانة المُتعمدة والمزرية, فلديهم أرشيف كامل وعدد كبير من رسائل التذلل والاستخذاء السعودي التي كان يرسلها عبد الله بن سعود لسيده محمد علي باشا, وكذلك خطابات عبد الله بن فيصل بن تركي إلى سيده الخديوي عباس, وكلها ممهورة ومختومة بتوقيع خادمكم وعبدكم المطيع ابن سعود, وبإمكان أي باحث أو أي صحفي مصري يذهب إلى المتحف المصري ويظهر للقراء مدى الاستخذاء السعودي والتوسل والإذلال لحكام وملوك مصر.
بل أيام حكم الملك فاروق كان لا يجوز جلوس أمراء آل سعود باستثناء أبيهم عبد العزيز في حضرة الملك فاروق, وهنالك صورة للملك فاروق وهو يجلس على الكرسي وخلفه يصطف الأمراء السعوديون على رأسهم فيصل بن عبد العزيز, وهنالك صورة يظهر فيها من يقبل يد الملك فاروق.
وربما ما ذكره عبد الله بن فيصل صاحب مغامرات الفسق والمجون الشهير, حينما أراد حضور حفلة أم كلثوم, وصادف أن طاولته كانت بجانب طاولة الملك فاروق, فغادر القاعة ولكن صادف خروجه مع دخول الملك فاروق للقاعة فقام عبد الله بن فيصل بالإنحاء للملك فاروق, وهذا أبلغ رد وأوضح دليل على الخضوع السعودي الكامل لملوك مصر.
أخيراً يلوم الكثير من المصريين وحتى من العرب الرئيس المصري الجديد محمد مرسي على تغاضيه عن الإساءات والتدخلات السعودية السافرة في الشأن السعودي أبان فترة الانتخابات الرئاسية, ومع هذا قبل دعوة الملك السعودي وسيذهب للقائه رغم الاستفزاز السعودي للمصريين من خلال نشر تلك الصورة المهينة لحسن البنا؟
فأقول وأنا المُحايد, أولاً من حق أي رئيس مصري جديد جاء للسلطة ووجد أن ميزانية البلد في حالة إفلاس تام وأمامه فرصة ومشروع حيوي لحلب البقرة السعودية بحيث يمكن من خلالها أن يعيد الحياة لاقتصاد مصر, فلا يجوز أن يتهاون أو يتأخر ويضيع تلك الفرصة الذهبية.
لأن آل سعود في هذا الوقت العصيب هم من في حاجة ماسة للرئيس المصري محمد مرسي وليس العكس, بينما مُرسي لديه عدة بدائل ربما من أهمها البقرة الإيرانية, وعليه فبدلاً من أن يذهب حليب السعودية إلى لبنان واليونان وووالخ, وتبقى الأموال مرصوفة في بنوك أمريكا وأوربا, فليشرب الشعب المصري من ضرع تلك البقرة المرخانية الهبلة حتى يشبعوا, فهم أخير وأحق من غيرهم وصحتين وعافية.
وأخيراً أقول لجماعة الإخوان اعلموا أن التزلف والانتهازية لن تنفعكم, وأن الكرامة وعزة النفس فوق كل شيء, ومهما تملقتم وحابيتم وانبطحتم لآل سعود سواء الآن أو في السابق أبان المرحلة الناصرية, فقد جاء وقت فركلكم آل سعود وتخلوا عنكم لأنكم تخليتم عن كرامتكم وعن شعبكم في سبيل مصالح دنيوية وخدمة أجندة سعودية, كان آخرها ظهور مرشدكم وهو يقبل يد عبد العزيز!
اللهم لا شماتة والعاقبة للمتقين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2012-07-10