تغريدة المقال alsab3aani@ :
ربما أنا المُغرد الوحيد الذي لن يرضى عنه جميع الفرقاء! لأنني بكل بساطة مُتجرد في الكتابة ولا أنتمي لأي طرف, وهذا يزعج القارئ المُرتاب الذي يبحث عن التصنيف.
بادئ ذي بدء أستغرب من الجدل العقيم الدائر الذي يثيره البعض حول ما قام وزير الدفاع المصري المنقلب الفريق عبد الفتاح سيسي, ومحاولة فلسفة وتبرير انقلابه وتحويله إلى جدلاً بيزنطيا, ومن ثم العودة والتساؤل إن كان يُعد انقلاباً عسكرياً أم لا؟
ولحد هذه اللحظة يخرج علينا من ينظر ويقول بأن ما حدث لم يكن انقلاباً عسكرياً وإنما كان تصحيحا لمسار الثورة, وهي نفس لهجة ثورات العسكر السابقة سواء كانت في سوريا أو العراق, ومازال الجدل قائما بين أولئك الفرقاء حول تلك الخطوة, أي على رأي وطريقة أشقائنا المصريين «انقلاب وإلا مش انقلاب»؟
بينما كل من شاهد ذلك الجنرال المصري غير المشهور والذي ظهر فجأة على مسرح الأحداث بعد أن منحه الرئيس مرسي رتبة عسكرية أكبر من سنه ومن منجزاته, حيث رقاه إلى رتبة فريق بعد أن كان لواءً, وكلنا شاهد السيسي وهو يؤدي التحية العسكرية بكل طاعة وخشوع أمام الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي, أي أمام القائد العام للقوات المسلحة حسب الدستور المصري, وقد قرأ عبد الفتاح السيسي القسم أمام الرئيس من خلال ورقة أعدت له, وكيف كان السيسي يُصلي بخشوع بجانب الرئيس مرسي, وخلال فترة وجيزة من تعيينه كوزير للدفاع حنث الـCC بقسمه وخان قائده الأعلى وأنقلب على دستور البلاد ودس أنفه في الشأن السياسي وحرك العسكر تحو القصر الجمهوري وقام بخلع الرئيس المنتخب!
وبعيدا عن تجاوزه للقانون ومخالفته الدستور وعدم إطاعته للأوامر, فلو أن ضابطاً آخر غير السيسي قام بذلك الانقلاب العسكري لتقبله البعض من الناحية الأخلاقية على مضض, ولكن أن تأتي الخيانة من قبل رجل أكرمه الرئيس ورفع قدره وأعلى مرتبته العسكرية وعينه وزيرا للدفاع وقد قبل بأن يؤدي القسم دون ضغط أو مساومة, ثم يخون الرئيس ويقوم باعتقاله, فتلك قمة الخسة والدناءة ولا أدري كيف سيثق الشعب المصري بمن عض اليد التي مدت إليه وخان من قدمه على بقية الضباط فمنحه رتبة فريق ثم عينه وزيرا للدفاع!
ولكن إذا عرف السبب بطل العجب, فعبد الفتاح السيسي كان مُلحقا عسكرياً في السعودية, وقطعا له علاقاته الوثيقة مع آل سعود وقد طغت وتغلبت على ولائه لوطنه ولرئيسه المنتخب, فقرر أن ينقلب ويخدم أجندة من قدم له الكثير حينما كن ملحقاً في السعودية وكذلك الأمر مع القاضي عدلي منصور الذي عينه السيسي رئيسا صورياً, فقد عاش هو الآخر في السعودية ردحا من الزمن حيث بلغت مدة إقامته هناك 12 سنة, من عام 1983م وحتى عام 1995م, وقد عمل كمستشار قانوني لوزارة التجارة السعودية, وغالباً فإن سفراء وقضاة وكبار الضباط المصريين الذين يبعثون إلى السعودية يتم شراء ولائهم من قبل آل سعود وذلك من خلال الأعطيات والهدايا الثمينة والمبالغ الطائلة التي توضع في حساباتهم المصرفية, بل إن كل سفراء مبارك في السعودية, كانوا في حقيقة الأمر هم عبارة عن سفراءً للسعودية ضد الرعايا المصريين هناك, وحوادث اعتقال المصريين البسطاء والزج بهم في السجون السعودية دون محاكمات, مع تبرير السفير المصري وتحميلهم الذنب يثبت ما أقول.
وربما أشد طعنتين قد تعرض لهما مرسي كانت الطعنة الأولى من قبل المنقلب سيسي, والطعنة الأخرى وجهت له من قبل صديقه الملك السعودي الذي استقبله بالأحضان في جدة وجعله يظن أن تلك التكشيرة السعودية مفعمة بالصدق والمحبة, فأتبعها السعودي بطعنة نجلاء!
وكل من شاهد فرحة الملك السعودي وهو يبعث بالتهنئة العاجلة بذلك الانقلاب وخلال ساعتين فقط من بيان السيسي, يُدرك لا محالة أن هنالك تنسيقاً مسبقاً قد تم بين آل سعود وبين السيسي, ومن خلال تبرع النظام السعودي بمبلغ 8 مليارات في اليوم التالي يجزم المرء أن الأمر قد دبر له بليل.
ولا أظن بعد ذلك أن أي مُحلل سياسي أو حتى خبير عسكري سيختلف عن كون ما جرى هو انقلاب على الشرعية قام به العسكر بقيادة الـ CC, وإن كان انقلاباً ناعما وليس انقلاباً دموياً (لحد الآن على الأقل), وسواء قام العسكر بعملية انقلاب أبيض بواسطة القفازات العسكرية الحريرية أو من خلال فوهات البنادق, فإن أي تحرك للعسكر من مواقعهم وترك الثكنات ثم التوجه بمدرعاتهم وعرباتهم نحو قصر الرئاسة, فهذا يعد انقلاباً عسكرياً ولا يحتاج لمزيد من الفلسفة الفارغة والتنظير.
وقبل أن أخوض في أسباب وتفاصيل ذلك الانقلاب العسكري على الرئيس المصري المنتخب الذي جلبته صناديق الاقتراع لسدة الرئاسة, يجب علي أن أعرج قليلاً على تاريخ وسياسة تنظيم الإخوان المسلمين سواء كان في مصر مركز التنظيم أو خلال فروع التنظيم ومُريدوه في كافة أصقاع المعمورة, لأن التحليل مع غض الطرف عن أخطاء وكوارث الإخوان وبوجود العواطف والميول يفقد الكاتب المصداقية في الطرح, وأنبه أن تعرية سياسة الإخوان لا تعني بأي صورة من الصور تأييداً للانقلاب العسكري أو عدم مناصرة للرئيس المصري الشرعي المنتخب محمد مرسي, وأني أسرد هنا بعض من تاريخ الإخوان لعلهم يرعوون ويتعظون من أخطائهم السابقة.
فإن كان هنالك مسؤولية أخلاقية على تشجيع العسكر والفلول على القيام بتلك الردة وخطف ثمرة الثورة وحدوث كارثة ديمقراطية في مصر, ومحاولة إجهاض الثورة الفتية التي دفع الآلاف من دمائهم الزكية في سبيل الوصول إلى حق التصويت الحر عبر صندوق الاقتراع, فإن تنظيم الإخوان المسلمين يتحملون الجزء الكبير من تلك المسؤولية, ابتداءً من وثوبهم على أكتاف ثورة 25 يناير وتهميش الآخرين, ومروراً بتهالكهم في الجلوس على طاولة الجلاد عمر سليمان وهم صاغرين وناكثين بعهد الثوار ومفرطين بدماء شهدائهم, ولا ننسى المقولة الشهيرة في بداية اندلاع الثورة «احنا ملناش دعوة» أي ليس لنا دخل أو طرف بتلك الثورة, وحينما أدركوا أن الثورة المصرية بدأت تؤتي أوكلها دخلوا بكل قوتهم للميدان, وقد يجد لهم البعض المبرر كونهم مستهدفون من قبل أمن الدولة, ولكني شخصياً أراها انتهازية.
وتلك الانتهازية ليست جديدة على تنظيم قد جُبل على تقديم المصالح الخاصة على المفاسد المزعومة, وهذا التلون الحرباوي ليس جديداً على من تحول عدة مرات ووطن نفسه ليصبح ممثلاً لما يُسمى بالإسلام المُعتدل حسب الهوى الأمريكي, فتاريخ الإخوان حافل بالاستخذاء والتملق والتحول لأدوات وخناجر غرست في ظهر أوطانهم, وأول من استخدمهم كأحصنة طروادة هم آل سعود حينما جيشوهم ضد الرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي كان يواجه إسرائيل, وحينما فرغ آل سعود من الإخوان وقضوا بهم لوازم تلك المرحلة, ركلهم المجرم نايف بن عبد العزيز وحملهم مسؤولية خروج «السعوديين» على ربق ولاة أمورهم ومن ثم دفعهم لمعاقبة أمريكا آلهة آل سعود.
وسبحان الله فقد شرب الأخوان المسلمين أخيراً من نفس كأس العلقم الذي سقاه آل سعود لعبد الناصر من خلال استخدامهم لهؤلاء الأتباع, فتجرع الإخوان السم السعودي قبل أيام حينما تآمر عليهم آل سعود ودفعوا المليارات للعسكر لكي يتم استئصال الرئيس مرسي بقوة السلاح, والجروح كما يُقال قصاص.
والمشكلة أن جميع الفرقاء المصريين لم يتعظوا من أخطاء الماضي, فنرى الآن عبد الحكيم نجل جمال عبد الناصر وكذلك حمدين صباحي ممن يحملون راية عبد الناصر سعداء بالتدخل السعودي ويرحبون بتمويلهم ودعمهم لانقلاب السيسي ضد الرئيس مرسي, وهم بكل سذاجة يعتقدون أن من حارب عبد الناصر وتأمر عليه سوف يساعدهم ويسعى لرفعة مصر ورفاه المصريين!
وعليه فمن يبيع وطنه (وأقصد هنا موقف الإخوان سابقاً والسيسي ومن معه حالياً), ويتحالف مع أعدائه لن يخلص أو يفي لأبناء بلده قط, ومصر وشعبها يستحقون حاكم وطني شريف يحب بلده ولا يرتهن للخارج مهما كانت الظروف, والأمر ينطبق أيضاً على جميع الفرقاء ممن أصبحوا أدوات بيد قطر والسعودية وأمريكا وغيرها من الدول.
ولنتجاوز هنا عن تنظيم الإخوان المسلمين المحلي في داخل مصر لكي لا نظلم أو نزج بالرئيس مرسي في أخطاء غيره من بقية التنظيمات الإخوانية, ولنأتي إلى بقية أعضاء وأتباع التنظيم العالمي للإخوان المُسلمين, فهم وللأسف أول من سَن سُنة سيئة وشرعن التعاون مع الغزاة والمحتلين, ابتداءً من إخونج أفغانستان مروراً بإخونج العراق وحتى إخونج ليبيا وسوريا, وكلنا يذكر خيانة إخونج المنطقة الخضراء «الحزب الإسلامي» ممن أصبحوا أزلاماً للحاكم العسكري الأمريكي للعراق المحتل بول بريمر, ابتداءً من الإخونجي الهزيل محسن عبد الحميد الذي وطئ أحد جنود المارينز على رأسه بالبسطال لمدة ربع ساعة حتى غفى الإخونجي تحت وسادة قدم الجندي الأمريكي, ثم تبعه الإخونجي الآخر حاجم الحسني الذي امتدحه كثيراً الحاكم العسكري الأمريكي بول بريمر, والذي حصل على 116 صوت فقط في أنحاء العراق في آخر انتخابات! وانتهاءً بالإخونجي طارق الهاشمي الذي كان أحد أدوات الاحتلال الأمريكي وشريكا فعلياً لحكومة المالكي, ولما ركلوه بدأ يتباكى على أهل السُنة ويذرف دموع التماسيح على مأساة أهل الفلوجة!
بل من منا لا يذكر ربيب المارينز أحمد عبد الغفور السامرائي, رئيس ما يُسمى بالوقف السني المدعوم إماراتياً, الذي عُرف عراقياً بمُسمى «عبيكان العراق», فإن كان عبيكان آل سعود جعل بول بريمر ولي أمر تجب طاعته, فإن السامرائي جرم كل من يُقاتل الجنود الأمريكان وكان لا يحلو له تناول الطعام إلا في معسكرات الاحتلال الأمريكي, وهو نفسه الذي كون مع المدعو ثامر«أبو عزام» التميمي زوجا من أحذية المارينز, وأسس الأخير ما يُسمى بمليشيا «الصحوات» الممولة سعوديا أبان مرحلة نشاط تنظيم القاعدة في العراق, وربما من شاهد قناة الحوار وهي تحتفي بحلقات خاصة من برنامج «مُراجعات» عن سيرة مؤسس صحوات العار أبي عزام التميمي, سيزول استغرابه من النهج الإخواني المُمعن بالاستخذاء.
ذلك مختصراً من تاريخ طويل وموغل في استخذاء الإخونج ولا أريد أن أسهب لأني لو أطلت سأفقد حيادي وربما أتفوه بكلمات جارحة, إذن تاريخ الانتهازية الوصولية ديدن وسِمة من سمات الشخصية الإخونجية, ولعبهم على وتر المصالح والمفاسد قد تتفوق على سلفية وجامية آل سعود, فحينما يكون سيد قطب جاذبا لألباب الشباب في داخل السعودية يتباهى الإخوان بأن قطب إخواني المنهج والسلوك!
وحينما تبدأ أمريكا والسعودية بحملة استخبارية وأمنية لمحاربة ما أسموه بأفكار سيد قطب الإرهابية! يتنصل الإخوان كعادتهم من أفكار سيد قطب, بل ويصبح فجأة سيد قطب محرض وهو الأب الروحي لجهاد الخوارج وسفك الدماء والخروج على شرعية الحُكام المتغلبون!
فقد تبرأ الإخوان من القطبية واعتبروها داءً وفكراً دخيلاً ومُتطفلاً على فكر الإخوان المُسالم الوسطي المُستخذي لماما أمريكا, وأن سيد قطب هو مجرد رجل مهووس ومُثير للعنف والشغب ومنظر للتطرف الديني في العصر الحديث!
هكذا هو منهج الإخوان فلا تعجبوا, ناهيك عن تذللهم لأمريكا وتمسكنهم لدويلات النفط, ومحاولة طرح أنفسهم كبدلاء عن ما يُسمى بغلاة الإسلام المتطرف, ومغازلتهم الأزلية لآلهة الدم والقتل أمريكا ومن قبلها الأنظمة الشمولية الخاضعة لواشنطن, فقد بايعوا الملك حسين كولي أمر لهم, ثم تحاوروا مع حافظ الأسد ومع سيف الإسلام القذافي, والكل يعرف دور بيانولي سوريا وصلابي ليبيا وغيرهم.
ثم تحولوا خلال العقدين الماضيين لأداة طيعة بيد قطر من خلال الأب الروحي لهم يوسف القرضاوي, ليتم إعادة تسويقهم لدى أمريكا الناقمة على كل ما هو مسلم أبان فترة رئاسة مجرم الحرب بوش, وكي يكونوا نداً لبقية التنظيمات الإسلامية المحظورة وحلفاء لواشنطن مُحررة الشعوب المزعومة في مواجهة كل ما هو إسلامي كاره ومقاوم لآلة الحرب الأمريكية ولكل من يدعو لقتالها, وفعلا فقد تم تأهيلهم حسب المواصفات القطرية, وأثبتوا للعم سام أنهم مسالمون وادعون ومحافظون على حدود ومعاهدات دويلة المسخ إسرائيل.
ومن ينسى دور مدير قناة الجزيرة الإخونجي وضاح خنفر الذي كان يدير برامج الجزيرة حسب توجيهات الأمريكان ويستلم أوامره من قبل مكتب الـCIA وحينما فضحتهُ وثائق ويكليكس تخلصت منه قطر, ولن تعجب حينما تشاهد تجمع للإخوان مؤخراً بحضور الغنوشي في بلجيكا وهم يحتفون بهذا الخنفر وهو يضع علم فلسطين على أكتافه!
تلك نبذة مختصرة عن كوارث وطوام الإخوان التي مازالت الأمة تعاني من سياساتهم الويلات, ولا أريد أن أطيل, ولكن السؤال هو : هل يسوغ ذلك التاريخ الحرباوي المتلون لتنظيم الإخوان, أن يتحرك العسكر ويثب جنرال من مدرسة كامب ديفيد على الشرعية ويخلع الرئيس المُنتخب محمد مرسي؟
الجواب : لا طبعاً, لأن تجاوز وضرب آلية صندوق الاقتراع هو تجاوز على نسبة أكثر من 51% من أصوات الشعب المصري, وهو انقلاب ورجوع بالبلاد لعهد مبارك, وحينما يتذمر البعض ويشعروا بأن القطار الذي ركبوا على متنه قديم وربما ليس بالسرعة الكافية, لا يمكن أن يقوم بعض الركاب الغاضبين بالتآمر وتحريض حارس أمن القطار ليقوم باعتقال السائق أو القائد وإخراج القطار عن مساره, بل ينتظر الجميع وصوله إلى أقرب محطة, وثم يتم إصلاحه أو حتى تغييره, فلا يمكن لكائن من كان أن يخرج القطار عن سكة الحديد ويعتقد أنه سيصل لبر الأمان, وعليه فإن نتائج الانقلاب لن تكون وردية كما يتوهم البعض, والأوضاع لن تصبح أفضل من السابق, هذا إذا ما انزلقت الأمور إلى الهاوية, وحينها ستكون مسوغاً لكل جمهور غاضب آخر بأن يخرج إلى الشوارع منتفضاً على الرئيس, وهذا سيبرر لأي ضابط مصري مندفع مُغامر, أن يهب بدبابته إلى مبنى القصر ويخلع الرئيس, حينها تكون مصر قد دخلت في دوامة الانقلابات واللا استقرار.
وربما أشد ما أثار استغرابي في ذلك الانقلاب أن تجد مثقفين مصريين وسياسيين يتوسلون العسكر كي ينقلبوا على شرعية الصندوق, وذلك التهالك لن يصدر أبداً من قبل إنسان لديه عقل أو يحمل ذرة فكر أو حرص على الديمُقراطية كما يزعم, بل تحركه الضغائن ونيران الأحقاد وربما الأمراض النفسية, فمهما اختلف المُثقف الحقيقي مع إدارة الرئيس المُنتخب لا يمكن أن يطلب من العسكر إزالته, لأنه بهذا يكون كالمُستجير من الرمضاء بالنارِ.
وسيأتيك من يقول أنتم لا تعرفون مُعاناتنا ولم تذوقوا ممارسات الإخوان؟
وهؤلاء لم نسمع لهم صوتاً يُذكر أو تذمر أو شتم لعهد مبارك, بل أغلبهم مازال يتظاهر أمام المحكمة ويطالب بإطلاق سراح المخلوع مبارك وولديه, وبالرغم من أن حكم مرسي أكمل عام واحد فقط, يحاول هؤلاء أن يصوروا للعالم بأن حكم الإخوان كان أزلياً في مصر, وأن مرسي رئيساً مُستبداً ظالماً, ولطالما حمل سيفه وقام ببتر رقاب الأبرياء صبح مساء, وتلك كانت مهمة إعلام الفلول الذين حاولوا شيطنة مرسي, وعلى رأسهم إعلام الملياردير القبطي نجيب ساويرس الناقم على ضياع حكم مبارك.
فقد عملت تلك القنوات المُحرضة الناقمة والممولة من قبل دول خليجية وأيضاً من خلال فلول مبارك على خلخلة الأوضاع الداخلية في مصر, ولم يتوقفوا عند هدف ترويج العداء للإسلام والإخوان فوبيا فقط, بل سعوا إلى شيطنة الرئيس مرسي وجعلوه سبباً رئيسياً في كل مآسي مصر, لأنهم يدركون جيداً أن شيطنة الإخوان وحدهم لا تكفي وربما ستحيد الرئيس مرسي وترفع عن كاهله المسؤولية وتجعله خارج تلك الدائرة فتعمدوا ربطه بأي خطأ ولو بسيط يقترفه تنظيم الإخوان, فلو أن شخصاً إخوانياً صدم شخص آخر في بوركينا فاسو فإنهم سيحملون مرسي خطيئة ذلك الحادث المروري.
بل وللتاريخ فأن الرئيس محمد مرسي صاحب شخصية هادئة وغير انفعالية أو عدائية, وهو رجل مسالم وغلبان أيضاً, فقد شتمته القنوات الموالية للفلول وسخروا منه ومن هيئته وشكله وكنوه بأمه, وفعلوا به الأفاعيل والرجل لم يحقد أو ينتقم ولم يؤذي أحد جسديا أو يقمع رأياً كما يفعل عادة حكام الأنظمة الطاغية, بل لم يغلق أي قناة, وحين وثب العسكر خلال 24 ساعة قاموا بإغلاق مكاتب حوالي 10 قنوات فضائية, وحتى قناة الـ CNN لم تسلم من بطشهم!
بل كان المُعارضون يختلقون الأزمات (يتلككون) ويشجعون الفلول على خلق المشاكل وصنع المعرقلات لكي يجدوا مبرراً للمطالبة بالانقلاب على الرئيس الشرعي, وربما اتضح للجميع من هي الجهات التي تقف وراء إخفاء الوقود وخلق أزمة السولار في محطات الوقود وقطع الكهرباء المُتعمد عن المواطنين البسطاء ليصلوا بهم إلى حالة من الغليان والنقمة والعداء للحكومة والرئيس, وبعد أن انقلب العسكر على مرسي بـ 24 ساعة فقط, انتهت مشكلة شح الوقود في الأسواق, ولم تعد الكهرباء تنقطع!
ربما البعض سيقول : وهل كان لزاما على الجماهير أن تعض على جراحها وتصبر على حكم مرسي لمدة 3 سنوات أخرى؟ خصوصاً وأن هؤلاء يُحملون مرسي المسؤولية لأنه رفض إجراء انتخابات مُبكرة, وأنه لو أعلن عن موعد لانتخابات مبكرة كان سيثبت للجميع بأنه زاهد بالسلطة وليس متشبثاً بها كما يروج؟
شخصيا أرى أن مرسي مهما فعل فلن يرضوا عنه, فهم اتخذوا قرارهم بأن يعرقلوا أي مشروع أو مُبادرة يقوم بها الرئيس, ولا أرى أن مدة عام واحد فقط تكفي للنهوض في ظل جو مشحون ومليء بالمعرقلات والمخربين, ولا يمكن من خلال تلك الفترة البسيطة أن تحكم على فشل أو نجاح إدارة لأي رئيس كان, ولا أدري كيف يطلب من رئيس مُنتخب شرعيا أن يتنازل ويترك مهمته في إصلاح الأوضاع والإقرار بفشله وإقامة انتخابات مبكرة, فقط لأن هنالك ناقمون وأيدي عابثة وفلول مكلومون يحاولون إعاقة مشروعه وإعادة العجلة إلى الوراء.
بالعكس فلو رضخ الرئيس مرسي لأي إملاء كان, فسيمنح هؤلاء الفاسدين السطوة والعبث بمصير الشعب, ولا يمكن لأي جهة كانت في أي دستور في العالم أن تنقلب على رئيس مُنتخب لأنه فقط رفض أن يجري انتخابات مبكرة, والدستور المصري هو الحكم والفترة الرئاسية مدتها أربعة أعوام, والغريب أن محمد حسنين هيكل يرى أن مرسي كان يُدرك بأنه سيخسر لو أجرى انتخابات مُبكرة لهذا لم يقدم عليها!
وأظن أنا أن الجزم هنا بخسارة مرسي لو جرت انتخابات مبكرة يعتبر تحيزاً من قبل هيكل, وأرى أن الصندوق كان سيحسم تلك الجدلية لو ترك القول الفصل للصندوق وليس لهراوة السيسي, وبالمقابل قد أرى أنا أن المعارضين كانوا مُتعجلين لإجراء انتخابات مبكرة, لكي يستغلوا حالة الهيجان وموجة العداء للإخوان, لأنهم أيضاً يدركون جيداً أن أحداً منهم سوف لن يفوز في الانتخابات القادمة بعد مرور ثلاث سنوات, لأنهم مُهلهلون ومُتشرذمون وليسوا مُنظمين كالإخوان, وكل شخص منهم بات يرى نفسه هو الرئيس المُناسب القادم لحكم المحروسة, حتى قبل أن يحصد الأصوات التي تؤهله, وهي للأسف نرجسية مرضية ظهرت بعد الثورة المصرية.
ولهذا يريد هؤلاء إباحة مبدأ الانقلاب بالقوة لتصبح عادة دارجة لكل موتور وناقم أو مهزوم قد فشل في أن يفوز من خلال الصندوق, فأراد أن ينتقم ويعيد هيبته من خلال ضرب شرعية الانتخابات بعرض الحائط, حتى بات على المصريين أن يستحضروا قول أبو الطيب في كافور الأخشيدي :
أكُلمَا اغتَالَ عَبدُ السّوءِ سَيّدَهُ *** أو خَانَهُ فَلَهُ في مصرَ تَمهِيدُ
نَامَت نَوَاطِيرُ مِصرٍ عَن ثَعَالِبِها *** فَقَد بَشِمنَ وَما تَفنى العَنَاقيدُ
وحتى لا يعتقد بعض القراء أنني إخونجي الهوى لأنهم ربما لم يطلعوا على مقالاتي السابقة, فأنا ممن أيد وصول حمدين صباحي لسدة الرئاسة ضد الإخوان, وقد لامني الكثيرون على موقفي هذا, لأنني كنت من أوائل من دعى وشجع لترشيح صباحي وطالب بانتخابه كرئيس لجمهورية مصر لشغل مرحلة ما بعد الثورة ولأسباب كثيرة, ليس لأني أزكيه أو أن أجعله مفضلاً على الآخرين.
بل لأني كنت متأكداً ومازلت أعتقد بأنه كان من بين جميع المرشحين يُمثل (واسطة العقد), أي في حال فوزه كان سيكون الرئيس التوافقي لتلك المرحلة من قبل جميع الأطراف, سواء كان من جانب ثوار ساحة التحرير الحقيقيين, أو لدى عامة أفراد «حزب الكنبة» ذو الغالبية السلبية المُستلقية على أرائك الكنبات وتراقب الأحداث فط, أو حتى من قبل جماعة الإخوان المُسلمين أنفسهم, وإن كان ذلك سيكون على مضض.
وأذكر أن أحد أصدقائي المصريين (إ. ش. ن) لامني كثيراً حينما روجت لانتخاب صباحي حينها, وقال لي نصاً : «يا أخي لا تنخدع بادعاءات حمدين صباحي وشعار (واحد مننا) إزاي يكون واحد مننا وهو راكب سيارة هامر, والناس مش لاقيه عربية تركبها؟».
فبررت لصديقي المذكور أنه لا يمكن أن تُحاسب شخص فقط لأن لديه سيارة هامر ثم تشكك بذمته, فهنالك الملايين يملكون أرقى ماركات السيارات في مصر, ولا يهم الشعب ما عنده الآن من مال أو سيارات وهو خارج السلطة, المهم هو تاريخه في مقارعة النظام, وحينما سيفوز بالانتخابات, ويقدم جرد كامل لذمته المالية, سيُحاسب بعد فترته الرئاسية, إن كان قد أثرى من خلال منصب الرئيس.
وكنت أظن أن صباحي صاحب مبدأ ومشروع حكم نزيه وحر يأتي عن طريق صندوق الاقتراع وليس عن طريق بزات العسكر, فأنا ومن خلال مُتابعتي للشأن المصري وجدت أن حمدين صباحي وعبد الحليم قنديل كانا يحتفظان بمكانة لا بأس بها لأن يكونا واجهة مقبولة لقيادة سدة الحكم في المرحلة الانتقالية, لما لهما من مواقف مُعارضة للنظام السابق في زمن كان الجميع يستلقي طائعاً على بطنه ويتملق مبارك بطريقة مقرفة, وكلنا يذكر تلك الوجوه الخشبية المُستهلكة الناعقة على الفضائيات, ولن أجتر تلك ألأسماء الهزيلة من جديد فسواء كانوا سياسيين تحت عباءة النظام أو إعلاميين استمرؤوا التطبيل والتزمير لمبارك وولديه وأتباعه, وهؤلاء لا أظن أن المواطن المصري البسيط يجهل تاريخهم أو ينسى تملقهم المقرف لمبارك وأزلامه, ومن كانت ذاكرته مثقوبة, فما عليه سوى العودة لأرشيف اليوتيوب ليشاهد المخازي والتقلبات الدراماتيكية المضحكة.
لهذا كان يمكن لرفيق درب صباحي السابق عبد الحليم قنديل أن يكون هو الرجل المُناسب لقيادة مصر ما بعد مبارك وأنا أسميها «المرحلة الانتقالية» وذلك مع وجود أول آلية انتخاب حُر وبعيدة عن براثن السلطة المركزية في مصر الجديدة, إلا أن حمدين كان أوفر حظاً من قنديل بسبب حصول تكتلات وحملات إعلامية وعملية تخندق سريعة, فنجح صباحي بالدخول بقوة لحلبة المُنافسة, وقد رأيت أنا شخصياً أنه أحق من بقية المُرشحين الآخرين ليس لأن المنصب قد فصل على قياسه؟ بل لأنهُ كان أكثر الموجودين توافقا لدى كافة شرائح الشعب لعبور تلك المرحلة القلقة دون منغصات أو معرقلات.
لأن مرحلة ما بعد مبارك لن تكون رحلة استجمام, ولن يهنأ أي رئيس فائز بتلك الفترة كثيرة الارتدادات, بل سيتحمل الرئيس كل أخطاء الماضي ويحمل على أكتافه كل تداعيات وفشل وانتقام أزلام النظام السابق, وعليه فإن أي مرشح فائز سيشغل ذلك المنصب بعد خلع مبارك سيكون بمثابة كبش فداء أو جسر ممهد أو (كوبري) للعبور لمرحلة الاستقرار لما بعد الثورة, ولن يكون منصباً مرفهاً لرئيس مرتاح ومُستقر.
لذا كان على صباحي أن يشكر الله صبح مساء لأنه لم يفز بذلك المنصب المؤذي والمرهق في تلك المرحلة الانتقالية الحرجة تحديداً, وذلك الوقت العصيب الذي سيحرق كل من يتقدم ليُدير دفة الرئاسة القلقة, مع وجود وتغلغل لجميع أجهزة ومفاصل النظام السابق, خصوصاً وأن أغلب المتضررين من الثورة كانوا مازالوا يشغلون مناصبهم ويسعون بكل قوة لإجهاض تلك الثورة بكافة الطرق والوسائل, فتحول هؤلاء الناقمون لعامل إفشال وعرقلة لعجلة الثورة, وهو أمر مفهوم في كل ثورات العالم حيث تسعى القوى المزاحة لاستعادة مكانتها وإعادة سلطتها المفقودة بأي طريقة كانت, وقد ذكر مؤرخ الثورة الفرنسية فرانسوا فوريه أن محاولات الارتداد الفاشلة على الثورة الفرنسية استمرت حوالي قرن كامل من الزمان, فيقول :
« إن تاريخ القرن التاسع عشر كله كان تاريخ الصراع بين الثورة والارتداد عليها, وذلك عبر حلقات مثل عام 1815 و 1830 و 1848 و 1851 و 1870,كومونة باريس الخ. ».
بينما يقول الفرنسيان تين و رينان عن محاولات الارتداد الفاشلة على الثورة الفرنسية :
« فقد كانت أنظار الناس في فرنسا آنذاك مركزة على النظام الاجتماعي وتُراقب عدم ثبات السلطة السياسية أو استقرارها. وقد فشلت مُحاولة الارتداد على الثورة وإعادة النظام القديم بكل ملكيته وكنيسته وكهنته, ولم تؤد إلى النتيجة المرغوبة, بالرغم من تفشي الآراء والعقائد التي تُدين أفكار العهد الجديد وتلعن من ينشرون مبادئه كمزاعم (العلم, وحق التصويت العام, والمبدأ الأعلى للمساواة بين البشر, إلخ ...) ».
وأما الفيلسوف الفرنسي غوستاف لوبون فقد بين ما يحدث من محاولات يائسة وارتدادات بائسة من قبل القوى المُزاحة عن السلطة «فلول النظام السابق» على تيار الثورة, فيصف تلك المرحلة الضاغطة والحرجة, حينما يُقاوم المهزومون عجلة التغيير ويُحاولون إعادة عقارب الساعة إلى الوراء دون جدوى, فيقول :
«حتى عندما يتزعزع أسس (نظام) أو عقيدة راسخة ما فإن المؤسسات المتفرعة عنها تبقى محافظة على قوتها ولا تتلاشى إلا ببطء. وعندما تفقد أخيراً كل سلطة فإن كل ما كانت تدعمه ينهار. ولم يحصل سابقاً في التاريخ أن غيّر شعب ما عقائده دون أن يضطر فوراً إلى تغيير عناصر حضارته».
إذن أصبح معلوما للجميع باستثناء بقايا النظام السابق أو ما يسمون محلياً بتيار «الفلول» أن هنالك قوى ارتدادية متربصة تحاول العودة من جديد إلى سدة القرار من خلال اجهاض الثورة بكل الوسائل مُتخذة من الشعارات والأسباب المزعومة مبرراً ودافعاً لإعادة التاريخ إلى الوراء, وتكمن مهمة تلك القوى الناقمة في دفع البلاد إلى حالة من الفوضى وجر الشعب إلى الدخول في حرب أهلية طاحنة, على مبدأ الملك الفرنسي لويس الخامس عشر : أنا ومن بعدي الطوفان.
وما دام تلك الوجوه القديمة مازالت باقية ولم تختفي من الواجهة فإنها ستعود سريعاً للسلطة, لأنها تمتلك الخبرة والمال والأتباع والأجهزة الأمنية والجيش, وسرعان ما ستزيح الثوار قليلو الخبرة من على الواجهة وتحتل أماكنهم, وربما الخلل الكبير الذي ميز الثورة المصرية أن قادتها الأوائل كانوا مُجرد شباب هواة متحمسون ليس لديهم أدنى خبرة في إدارة دفة الثورة, فغلبهم الإخوان المنظمين أولا عبر صناديق الانتخاب, ثم أخيراً استغفلهم العسكر لتحقيق مآربهم وعودة أزلام النظام السابق, وهنالك وصف مقارب يذكره لنا توماس إدوارد لورنس الشهير بـ«لورنس العرب» بعد ما سُمي بالثورة العربية مع الفارق طبعاً, لأن بريطانيا هي من كانت تحرك العرب ضد العثمانيين, ولكنني اقتبس هنا وجهة نظره لأنها قريبة جداً من حالة الشباب المصري لما حدث لهم بعد الثورة,فيقول لورنس :
«عندما حققنا النصر وبزغ عالم جديد فإن الرجال القدماء (وجوه العهد القديم) أتوا ثانيةً وأخذوا نصرنا ليعيدوا صنعه وفقاً لعالمهم القديم الذي عرفوه.لهذا فإن الشباب يمكنهم أن يفوزوا, إلا أنهم لم يتعلموا أن يُحافظوا على ذلك الفوز أو النصر, وهذا ضعف يُرثى له بالنسبة للعمر. وقد تمتمنا أمامهم بأننا قد خرجنا وسعينا من منطلق أن نبني عالم جديد؟ إلا أنهم شكرونا بلطف وعقدوا سلامهم».
أي ربتوا على أكتافهم وقالوا لهم سعيكم مشكور ولم تقصروا والآن يمكنكم الذهاب إلى منازلكم, ونحن سندير الدولة, وعليه فالعتب أو المسؤولية لا تقع على عاتق أولئك الشبان المتحمسين والمندفعين قليلي الخبرة السياسية, بل يتحملها أصحاب الباع الطويل والمخضرمون في ميدان النضال, وأنا شخصياً أعترف أنني لم أتوقع قط أن يتحول المعارض العتيد لنظام مبارك, حمدين صباحي إلى معول هدم لأسس تلك الثورة في سبيل أن يشق له طريق سريع ومختصر للوصول إلى سدة الرئاسة, حتى ولو كان عن طريق مدرعات العسكر!
وأولى بوادر ذلك الانحراف والتضعضع السياسي في قرارات حمدين صباحي, وتغليبه لمصلحته الشخصية على المبادئ والقيم, حينما تحالف مع عمرو موسى وفلوله, بحجة أنهم مواطنون مصريون ولا ضير من التحالف معهم!
ولكن ما الفرق بين عمرو موسى أو شفيق أو حتى حسني مبارك, مع أن فلول مبارك وشفيق كانوا كتفا إلى كتف مع أنصار صباحي في ساحة التحرير ليلة الانقلاب!
والسؤال الموجه إلى المناضل السابق حمدين صباحي هو : هل من القيم والمبادئ الوطنية وإكرام دماء الشهداء, احتضان تلك الأطراف المُشاغبة والمُدمرة والاحتفاء بهم, أو على الأقل الاستفادة من عبثهم وتدميرهم؟
لا يمكن لأي عاقل أن يتحالف مع أعدائه وأعداء الشعب من أجل إزاحة خصوم فازوا من خلال شرعية الصندوق, وهو قادر على إزاحتهم في الانتخابات القادمة لا محالة لو بقي فقط على حياده ومبادئه ونبله وعدالته, فاحتضان أدوات مبارك وضمها لصفوف الثوار الأحرار الذين ثاروا على الطاغية وأزلامه, كمن يخلط التبر بالتراب, وهي خيانة لدماء الشهداء الذين سقطوا بأيدي هؤلاء.
وإن قال البعض أن هؤلاء مصريون ولهم الحق أن يُحتضنوا وأن يصبحوا ضمن الثوار؟
إذن وحسب تلك القاعدة الرومانسية الحالمة فمن حق مبارك وولديه والعدلي وأزلامهم أن يعودوا للسلطة, لأنهم مصريون أيضاً ولهم الحق أن يُحتضنوا ويصبحوا ثواراً أيضاً؟
فأنت يا صباحي لست بحاجة لأن تتحالف مع الفلول بل هم من بحاجة ماسة لانتخابك وفوزك أيضاً لأنك ستكون رحيما بهم, فحين ستأتي الانتخابات القادمة سيجد هؤلاء أنفسهم أمام خيارين صعبين وسيكون أحلاهما المُر؟ فإما ينتخبوا الإخوان أو ينتخبوك أنت ورفاقك, وكانت ستكون لك الغلبة بدون كيد أو هراوة العسكر.
فكيف إذن رضيت أن يكسر العسكر شرعية الصندوق؟ وتتعاون مع من يؤجر بندقيته لمن يدفع له أكثر, وكيف سمح لك ضميرك أن تتحالف مع فلول مهزومة يائسة تعودت أن تتملق كل واثب على السلطة؟ ثم هم أنفسهم هؤلاء الذين تحتويهم الآن, أول من أيد أحمد شفيق وعمرو موسى ضدك في الانتخابات السابقة, فحرموك وحرموا الشعب من أصوات كثيرة تسربت لصالح سادتهم من بقايا نظام مبارك, فصبت النتيجة في صالح تنظيم الإخوان.
فلا يمكن التفريط بالمبادئ والقيم مقابل الحسابات السياسية الضيقة ومن أجل المصالح الشخصية الآنية والمناصب الزائلة, لأن مصلحة البلاد تبقى فوق كل اعتبار, وكم من إنسان رفعته الجماهير عالياً ثم سرعان ما هوت به نحو القاع بسبب خطأ أو هفوة أو زلة لم ينتبه لها, فالأضواء قد تحرق أصحابها إن لم يحافظوا على مواقفهم ومبادئهم, ويبدو أن صباحي وقع ضحية لتطلعاته وربما غلب عليه تحامله فجعله ينسى تاريخه وينساق خلف سراب ظن أنه هو الطريق الموصل إلى بر الأمان, يقول الفيلسوف الفرنسي غوستاف لوبون :
«فالهيبة الشخصية تختفي دائماً مع الفشل. فالبطل الذي صفقت له الجماهير بالأمس قد تحتقره علناً في الغد إذا ما أدار الحظ له ظهره. بل إن رد فعلها ضده يكون عنيفاً بقدر ما كان احترامها له كبيراً.».
ربما جاءت ردة فعل صباحي ناقمة وغير واعية بسبب حادث ابنته, حيث ظن واهماً أن الإخوان هم من يقف وراء الايقاع بابنته في قضية التحايل في شركة وهمية وتشغيل أموال, لأن هنالك من أوحى له أن الإخوان هم من دبروا تلك المكيدة لابنته, ولم يفكر قط ولو بنسبة 1% أن فلول مبارك ولصوص وبشوات المال العام المصري المسروق أنهم ربما يكونوا هم من يقف خلف ذلك الفخ, لجعله يفقد صوابه ويقبل بأي وسيلة لخلع الرئيس المنتخب, كان على صباحي أن يصبر ويحتسب لا أن يتحول لأداة طيعة بيد الحاقدين والفلول, وفي نهاية المطاف هاهم قد تجاهلوه تماماً وأتوا بمدمر العراق البرادعي, لأنه (واحد منهم) أي واحد من الفريق ألأمريكي, وليس واحد من أبناء الشعب المصري الكادح.
أتوا بالبرادعي لأنه هو الوجه المقبول لدى سادته في الغرب وفي أمريكا, ولن يخدمهم شخص مثل صباحي لأنه سيثير مخاوف الغرب إذا ما بدأ يشيد ويتمثل بجمال عبد الناصر, فالبرادعي مطواع ومهتم بمحرقة اليهود «الهولوكوست» أكثر من اهتمامه بمحرقة الشعب المصري التي تسبب بها وسيتسبب هو والعسكر ومعهم الفلول, وكأن الأسرى المصريين هم من أعدم الجنود الإسرائيليين وليس العكس!
كنت أتمنى أن لا ينجر صباحي لذلك المنحدر السحيق فيتعاون مع المتربصين بثورة مصر الفتية فيناصر أعدائها من خلال الدوس على شرعية الصندوق, ولو بقي حمدين طوال عمره يقسم ويحلف بأغلظ الأيمان أنه لم يكن طامعا بالسلطة أو منتقما لأنه خسر في الانتخابات, فلن يصدقه أحد, وسيكون شريكا في كل قطرة دم تسقط ببنادق العسكر.
وأسأل حمدين صباحي : ما هو شعورك لو أنك أنت من كنت
الرئيس وقام السيسي باعتقالك والانقلاب عليك؟ حاول فقط أن تضع نفسك بمكان الرئيس مرسي وبعدها سترى إن
كان قرارك بالدعوة للانقلاب على الشرعية صائباً أو هو مجرد اندفاع غير محسوب.
أرجو أن يعيد الأخ حمدين صباحي حساباته ويصحح مساره ويعالج ما وقع من أخطاء, وأن يعود للحق ولو متأخراً خيراً له من أن يبقى مُصراً على الباطل فيضيع تاريخه في تصرف انفعالي غير محسوب, وكما راهنت سابقا على دوره الحيادي والمقبول في قيادة مرحلة الانتقال, أراهن الآن بأنه سيكون له تأثير كبير على الساحة لو عاد للمبادئ وسلك طريق الحق, ودعم حق الرئيس مرسي الشرعي بالرئاسة ورفض مبدأ الانقلاب, فكلمة واحدة من حمدين ستكون هي الفاصل وهي بيضة القبان إن أدرك مخاطر المنحدر الخطير الذي سيجر مصر إلى الهاوية, لا سامح الله.
ولا يتخدع بأصوات هسترية تقلب الحق باطلا وتحول الباطل حقا, كالمهرج عمرو أديب ومن هم على شاكلته, فعمرو أديب كان يقول أبان حكم مبارك : «الخط الأحمر الوحيد هو الرئيس حسني مبارك! ومُستحيل أسمح لأي شخص أن يتكلم على السيد الرئيس»!
ثم عاد يبكي بعد خلع مبارك فيقول : «دحنا كنا في سجن يا جماعة, كان مبارك وولده جمال يحاربوننا أنا وأخي عماد, وأن أمه كانت تتمنى فقط أن تراه يظهر على شاشة التلفاز!»!
والآن يشتم الرئيس المنتخب مرسي وينعته بأقذع الأوصاف في كل برامجه ويحرض عليه, ولم يقل عنه أنه خط أحمر! ومع هذا لم ينتقم منه مرسي أو يقتص منه, وحينما حدث الانقلاب العسكري رفع عمرو أديب العلم المصري, وبدأ يصرخ ويرقص بهستيرية! وكل تلك المقاطع موثقة في موقع اليوتيوب.
فإما أن يكون حمدين ومن معه من السذاجة بحيث خدعهم عمرو أديب ثلاث مرات؟ أو أنهم يدرون أنه فلولي منافق وهم موافقون على دوره ودور كثر من أمثاله, وهنا يجب أن نضع ألف علامة استفهام.
وأما المراهنة على التجمعات وعدد المتظاهرين فلن يحسم الأمر, فسوف يحشد أنصار السيسي ويرد بالمقابل أنصار الرئيس مرسي بالحشود وستتعطل الحياة, وقد تنتهي الأمور إلى المواجهة وسفك الدماء, فعلى العقلاء العودة إلى رشدهم وعدم المضي في عنادهم وغيهم فيعرضوا البلاد للضياع.
أخيراً أرجو من الله يحفظ مصر وأهلها ويجنبهم الكوارث والمحن ويرد كيد الكائدين في نحورهم, وأن تنتهي تلك الأزمة بسلام ووفاق, وأن لا يكون انقلاب السيسي له تداعيات دموية ويكون سابقة مصرية يسجلها التاريخ في سجلاته.
2013-07-07