الخميس، 27 يونيو 2013

قطر في واجهة الأحداث مُجدداً

تنازل الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني عن سدة الحكم والإرث السياسي الثقيل الذي سيحمله الابن تميم من بعده
تلقف الخبر من قبل الفرقاء فأصبحوا ما بين شامت ومطبل وقناة الجزيرة كعادتها غطت على كوارث العديد والسلية
ومملكة المومياءات السعودية شعرت بالحرج الكبير فسارع دينصوراتها للمباركة بالتتويج ونيران الغضب تحرق أكبادهم

آثرت أن أبتعد عن كتابة المقالات وأتفرغ للتأليف والقراءة خلال العام الفائت لأن كتابة المقالات الآنية تذهب عادةً وتنتهي صلاحيتها مع انقضاء تلك الأحداث, وكان علي التركيز على التوثيق التاريخي من خلال المؤلفات, إلا أن بعض الإخوة في موقع تويتر طلبوا مني رأيي الخاص في مسألة تنازل أمير قطر عن الحكم لنجله, وما لهذا القرار المفاجئ والجديد على أنظمة المحميات من بقايا الإرث الإنجليزي من تأثير سياسي على المنطقة وعلى مزرعة آل سعود تحديداً.
والحقيقة كان بالإمكان تلخيص رأيي من خلال تغريدتين أو أكثر في تويتر عن الموضوع, خصوصاً أنني كنت أنتظر الدافع الذي سيقدمه أمير قطر من خلال خطابه المُرتقب لكي يوضح سبب تنازله عن السلطة, وكنتُ قد استبقت خطابه بالتوقع أن الأمير سيقول أنه تنازل من أجل تسليم الراية للجيل الجديد وتسلم الشباب الواعد لدفة لحكم في قطر وغيرها من أعذار, وقد برر الأمير في حطابه مثلما توقعت تماماً.
وأعتقد أن تبرير الأمير غير دقيق وغير مقنع البتة بالنسبة لي على الأقل, وهذا رأيي الخاص ولا ألزم به أحداً, لأن لدي أسباب أخرى أكثر منطقية وواقعية من حكاية التغني بالجيل الجديد وشماعة الشباب الواعد كما قال.
الأمر الآخر الذي دفعني للتوسع في التعليق على الخبر, وتسطيره على هيئة مقال طويل؟
هو ما اطلعت عليه من تعليقات من قبل الكارهين والمطبلين لقطر في آن, وحسب رأيي المتواضع أن كلا الطرفين قد تطرفا كثيراً في آرائهما ولم يلامسا الوقع أو على الأقل لم يطرح أصحاب تلك الآراء المزاجية أشياء يمكن أن تضيف أي جديد للقارئ أو تغني المُتابع.
وبعيداً عن تلك الأصوات المُهللة بعملية التنازل أو تلك المُستأجرة من قبل أجهزة الأمن وأتباع أنظمة الدينصورات المُختصة بالدفاع المستميت عن كل ما هو أحفورة ومتفسخ, والتي ترى في تنازل الرأس أو (ولي الأمر المعصوم) عن الحكم هو سُنة سيئة ويفتح أبواب الفتنة على مصراعيها أمام بقية المزارع الخليجية وغير الخليجية, وأن هكذا قرار لا يأتي إلا من خلال ضغط أمريكي لدفع الحاكم للتنازل طوعاً عن حكمه.
والحقيقة أن أشد ما أثار استغرابي هو آراء بعض المُعارضين وأخص معارضو آل سعود, الذين استماتوا في الدفاع عن أمير قطر, أحياناً نكاية في نظام آل سعود وأحيان كثيرة مبررين أن قطر ترفه الشعب وتمنح رواتب عالية وخدمات ومُخصصات مالية لمواطنيها, وعليه فهم غير قابلين للنقد أو التقريع, ولطالما تمنى هؤلاء أن يكون آل سعود مثل آل ثاني من الناحية الريعية!
وإني إذ استغرب من هكذا طرح قاصر!لأنه يثبت للقارئ الحريص أن قضية الخلاف أو الخصومة مع آل سعود أصبحت لدى هؤلاء مادية بحته, وليست قضية عدالة وكرامة ومبادئ وحقوق شرعية لا تقبل التفريط أو المقايضة مُقابل المال أو المناصب.
فترى مثلاً الكثير ينكرون على آل سعود ارتهانهم لواشنطن واعتمادهم على مجندات أمريكا في حماية العروش والكروش, وينعتونهم بأبشع الأوصاف لأنهم فتحوا القواعد العسكرية الأمريكية سواء كانت العلنية منها كالسابق أو السرية كما يحصل الآن, بينما لا يرون بأساً حين تكون تلك القواعد الأمريكية مزروعة في الأراضي القطرية وعلى مساحة شاسعة ربما تعادل 5% من مساحة البلد!
ثم تجدهم يشنعون على أطرم الدرعية عبد الله بن عبد العزيز لإقامته ما يُسمى بـ«حوار الأديان» أو بالأحرى حوار الطرمان, واستقباله لحاخامات يهود وإسرائيليين, بينما لا يرون بأساً حينما يستقبل الحمدين شيمون بيريز وليفني في قصر الوجبة القطري!
ما هذا الفصام المرضي وما هذه الازدواجية البغيضة! فمن خلال أطروحات هؤلاء الناقمون وليس المعارضون نستشف أنهم يعصمون آل ثاني ويجلونهم, وهم معجبون بهم فقط لأنهم «أعزوا» مواطنيهم وبذلوا لهم المال ولم يبخلوا عليهم.
وأما مسألة فتح القواعد الأمريكية لدك أفغانستان وتدمير العراق وفتح مكتب إسرائيلي بالدوحة واستقبال شيمون بيريز وليفني وإيهود أولمرت وبنيامين بن إليعازر بالأحضان في الدوحة, فلم تكن هي القضية الخلافية أو تشكل لهم معضلة كبرى, بل المال كان هو الدافع وهو المحرك لتلك الغضبة المضرية!
أي لو أن آل سعود مثلاً تركوا سمة البخل وخففوا من السرقات الترليونية, وتخلوا عن جشعهم ودناءة النفس وبحبحوا عطاياهم وأرخوا كيسهم قليلا, وكبوا بعض الأموال على هؤلاء لأصبح آل سعود ملائكة وديمقراطيون ولا يُعلى عليهم!
سيأتي من يقول لك أن آل ثاني أكثر رحمة وإنسانية من آل سعود, وهم دعموا ويدعمون الثورات العربية وخاصة الثورة السورية, ولديهم نوع ما من هامش الحرية والرأي وإعلامهم إعلام حر, وعندهم قناة الجزيرة وغيرها من ادعاءات مضحكة.
فأقول لهؤلاء أن قطر تفتقر لأبسط مقومات الإعلام الوطني الحر وكل صحفهم ووسائل إعلامهم المحلية هي مرتهنة بيد أفراد هم ليسوا قطريين في لأصل تكمن مهمتهم بإدارة العملية الإعلامية وفق هوى السلطة, وأما البلد فيقاد من قبل أسرة حاكمة مستفردة كما هو الحال في السعودية ولا يوجد أي فرق كبير باستثناء أن أسرة آل ثاني عددها متواضع جداً مُقارنة بأعداد أسرة آل سعود التي وصل عدد نفوسها لأكثر من 10 آلاف أمير وأميرة, وهذا الأمر قد خدم آل ثاني لقلة أعداد السراق والنهمين.
كما لا ننسى دور قناة الجزيرة في التسويق للنظام القطري الشرك الفعلي في تدمير واحتلال العراق, وكلنا يذكر حينما انطلقت الطائرات الأمريكية من قاعدة العديد والسلية لحرق أجساد الأطفال والنساء في العراق, وكانت قناة الجزيرة تنقل لنا المؤتمرات اليومية لعمليات الجيش الأمريكي في العراق من داخل قاعدة السلية القطرية.
وأما بالنسبة للثورات العربية فالجميع قد امتطى ظهر تلك الثورات يتيمة الأب والأم, وبالنسبة للثورة السورية فقد أصبحت مسألة شخصية بين آل ثاني ونظام بشار وهنالك فريق واحد فقط في سوريا هو من يستلم الدعم القطري, والشيخ حمد بن جاسم أعلن على الملأ قبل أيام معدودة أنهم يدعمون(اللواء سليم إدريس) فقط.
وأما هامش الحرية فلم يتحمل ذلك الهامش المزعوم قصيدة نبطية لمواطن قطري جمح قليلاً وهو محمد بن الذيب, وأما جزيرة الرأي والرأي الآخر فمهمتها الردح والتعرية لما يحدث في خارج أسوار قطر, وأي خبر لا يبعد إلا أمتار قليلة عن مبنى تلك القناة فهو ليس بحسبان الجزيرة, وممنوع عليها التطرق له.
ومثلما آل ثاني لديهم قناة الجزيرة التي لديها قصر نظر مزمن نحو الداخل, فآل سعود لديهم قناة العبرية ولديهم أيضاً برنامج الثامنة مع الطربيل داود, ولديهم عشرات الصحف والمجلات الورقية ومئات الصحف الإلكترونية, وكلها تنتقد دول الجوار وتشتم الخارج وتسبح بحمد طوال ألأعمار في الداخل.
وبعيداً عن المقارنات بين مزرعة آل سعود ومحمية قطر, فإني أقر بأن قرار أمير قطر بالتنازل عن الإمارة وبعيداً عن أسبابه ومسبباته قد سبب حرجاً كبيراً لآل سعود تحديداً, لأنهم في حالة حرجة جداً بوجود ملك خرف سقيم ومقعد, فبات يتفسخ وهو على كرسيه, وحين يتنازل أمير وهم يرون أنهُ بصحة جيدة وقادر على إدارة الحكم ولم يفقد قدرته على الحركة, ثم يسلم لولده الكرسي وهو على قيد الحياة, فتلك تعتبر طعنة نجلاء في ظهر آل سعود الذين تعودوا أن تتحلل أجسادهم وتتعفن وهم على كراسيهم, فيُحملون من القصور إلى القبور دون منازع أو تغيير أو تنازل.
لهذا جاءت مسارعة آل سعود بالتهنئة أسرع من الضوء, سواء كانت التهنئة من قبل ديوان الملك السعودي الذي يحتضر أو من قبل مكتب ولي عهده العليل, وكأنهم يريدون قطع الطريق على من سيتقول عليهم ويُقارن بين تلك الحالتين الرعوتين المتناقضتين, حينها سيلتهي الناس بالسجال والبحث عن أسباب التنازل, وستوفرهم الألسن وتنشغل بذلك الجدال.
المضحك أن إعلام بشار الأسد الهزيل استبق إعلان التنازل, فتهكمت قناة دنيا المخلوفية على الديمقراطية القطرية الوراثية!
وكأن حافظ الأسد الأب قد تنازل عن السلطة طوعا لابنه بشار ولم يحمل جثة هامدة للقبر وجيء بولده الطبيب ليرث كرسي القرداحة؟
أو أن بشار نفسه كان قد جاء للحكم عن طريق صناديق الانتخاب ولم يُفرض فرضاً على الشعب وتم التلاعب بالدستور الصوري لأجل عينيه, وفعلا شر البلية ما يُضحك!
وبعيداً عن المقارنات والتفاضل بين أنظمة القمع وبين مزارع الأسر الخليجية, عليّ أن أُبدي وجهة نظري في سبب تنازل أمير قطر وهو مجرد تحليل فقط, ورأي خاص ولا أزعم أنها عين الحقيقة أو أني جئتكم بالبرهان,لأن من الصعب معرفة أسباب ودوافع الأمير الحقيقية في ظل وجود أنظمة عربية مُتفردة تعودت على السرية والتعتيم, فلا يوجد لدينا حكام أو رؤساء يذكرون الأسباب أو الدوافع الحقيقية في مذكراتهم, كما يحدث عادةً مع السياسيين والقادة في دول الغرب, ولهذا فنحن مضطرون للتحليل والتعليل والتخمين وربط الأحداث مع بعضها لنصل لطرف الحقيقة ونحصل ولو على نسبة بسيطة جداً قد لا تتعدى الـ 10% من واقع الحال, ثم نتبعها بجملة والله أعلم.
وأما قول أمير قطر أن سبب تنازله عن الإكارة هو رغبته الجدية بتسلم الجيل الجديد لمهام الحكم وفتح المجال أمام الشباب الواعد, هو عذر فيه وجاهة ولكنه بصراحة غير مقنع والأحداث المُتلاحقة تنقضه وهو متوقع أيضاً, وأنا شخصيا توقعت أن الأمير سيتكئ على ذلك العذر السهل لأنه سبب بسيط ولا يكلف شيئاً.
خصوصاً أن قرار التنازل جاء في وقت حرج جداً وهو يخوض حرب سياسية عسكرية إعلامية ضروس مع نظام بشار الأسد, والخاسر بينهما سيخسر الكثير وسيعطي خصمه ورقة رابحة وسيجعله ينتشي ويعلن النصر ولو نصراً إعلامياً, ولهذا كان بإمكان أمير قطر أن ينتظر بضعة أشهر ثم يسلم ولده السلطة, ولكن بعد انتهاء الأزمة السورية على أقل تقدير, لا أن يتنازل الآن ويمنح خصمه نصراً إعلامياً مجانياً بدون أي مقابل أو جهد!
وإذا علمنا أن ولده تميم هو من يسير أغلب الملفات وهو من يدير شؤون الدولة, فإذن كان يمكن أن يستمر الأمر على ما هو عليه, أي الواجهة هو الأب والابن يكون الدينمو من خلف عباءة أبيه, ولكن هنالك أسباب أخرى تراكمت جعلت الأب ودفعته للتنازل وترك القيادة لولده.
هذا إن غضضنا الطرف عن وجود أبناء كبار آخرين للأمير من زوجة أخرى, وهم أيضاً في سن يعد في عمر الشباب وليس الكهول, فلو كان الدافع يتعلق بالعمر والجيل الجديد؟ لكان هنالك إخوة أحق من تميم بتولي المنصب, فهل سينالهم نصيب من كعكة الحكم الخاصة بالشباب؟ أم أن الكعكة الشبابية حكراً على أبناء موزة فقط؟ مجرد سؤال.
طبعا هنالك من شطح به الخيال وجعل أن سبب التنازل قد تم بضغط أمريكي على أمير قطر, إما بسبب تصرفات الأمير المُثيرة للجدل, أو لأن أمريكا تسعى لأن تجعل واجهة شابة لإدارة الإمارة المُشاكسة خوفاً على مصالحها الاستراتيجية في منطقة الخليج؟
وهذا الأمر غير منطقي ومُضحك أيضاً,لأن الأمريكان لديهم عشق كبير وولع غير معقول بكل ما هو محنط وقديم لخدمة مصالحهم,والشيخ حمد هو من منحهم أكبر قاعدتين عسكريتين في قطر, ولو كان الأمر بيد الأمريكان لمددوا بأعمار آل سعود أكثر مما هم عليه الآن, لأنهم لن يجدوا أفضل ولا أحسن ولا أكثر خدمة لمصالحهم من دينصورات آل سعود المعمرون الآن, فلما لم يضغطوا على مومياء خريم ليتنازل وهو شبه ميت؟
القضية لا علاقة لها بأمريكا ولا حتى بذهاقنة تل أبيب, ولو توقف الأمر على أمريكا وصهاينتها وامتلكوا القدرة على احياء الرميم لأعادوا من جديد كل العملاء النافقين للحياة, وحسب وجهة نظري لن تجد أمريكا ولا حتى إسرائيل أفضل من الشيخ حمد يخدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة.
إذن ما هو المبرر أو الدافع الحقيقي؟
حسب وجهة نظري أن هنالك أمرين مهمين مع وجود محفزات أخرى؟
الأمر الأول هو هاجس شخصي ورهاب نفسي ينتاب الشيخ حمد وبقي ذلك الشعور يلاحقه دائماً, وذلك حينما قام بالانقلاب على أبيه الشيخ خليفة حينما غادر البلاد لغرض السياحة, فأعلن الابن حمد الانقلاب عليه وخلعه, وبقي ذلك الشعور الخفي يُرعب حمد في كل رحلة أو سفرة يقضيها خارج البلاد, والأكيد أنه كان يخشى أن يلقى نفس مصير والده المخلوع, فسارع للتنازل طائعاً على مبدأ بيدي لا بيد أحد أبنائي.
وقد يقول قائل فلو كان يخشى من ابنه تميم, فلماذا يوليه ولاية العهد, ولماذا يتنازل له أصلاً؟
من ينتظر وقوع أمر ما أو ربما يخشى من تسديد دين قديم عليه, لا يفكر أن يأتيه الشر من طرف معين أو ابن مُحدد؟ فالشيخ حمد مثلاً لديه كثير من الأبناء, وأبناءه الكبار من الزوجة الأخرى وهي الشيخة مريم بنت محمد ال ثاني وهما مشعل وفهد, وهما مهمشان بعض الشيء ولا تسلط عليهما الأضواء, وعليه فلا أظن أن الشيخ حمد يخاف أن يأتيه الخطر من تميم تحديداً,بل ربما كان كابوس الانقلاب يطارده ويجعله يرتاب ببعض أبنائه ولا أقول كلهم, فقرر أن يتخلص من ذلك الكابوس من خلال التنازل, فرمى بالتركة على أكتاف تميم.
وبغض النظر عن مساوئ وتبذير الأب خليفة حينما كان حاكماً ومقارنته بابنه المُنقلب عليه والذي طور البلد بعد انقلابه على الأب, فإن ما بني على باطل فهو باطل مهما كانت الأسباب أو الدوافع أو حتى النتائج.
وشخصيا أعتقد أن الشيخ حمد كان لديه قلق دائم وهاجس يؤرقه كلما أقلعت طائرته إلى خارج أجواء قطر, وربما قرر أن يرتاح من ذلك الكابوس ويريح هواجسه ويرقد مطمئناً في قصره أو حتى في طائرته, لأن أبشع عدوا للإنسان هو الخوف وتأنيب الضمير, وقد يكون اتخذ قراره لكي يشعر بنوع من الأمان والاطمئنان وهو خارج دفة الحكم, مضحيا بالسلطة في سبيل راحة البال وقطع الطريق على الشامتين فيما لو حدث له مثلما فعله بوالده.
الأمر الآخر : الكل يعلم أن أمير قطر قد عانى كثيرا من الفشل الكلوي, وقد تبرعت له إحدى بناته بكليتها, وقد يكون الأمير يعاني من أمراض مُزمنة أخرى أرغمته على التخلي عن السلطة لولده, لأنه ربما سيقضى فترة طويلة في المشافي أو سيجري عمليات جراحية, أو ربما تلقى نصائح من قبل أطبائه بعدم الإرهاق أو القلق أو التوتر, فاضطر أن يتنازل ويبتعد عن متاعب السلطة لكي يحافظ على صحته, وذلك الأمر سوف لن يخفى طويلاً إن كان هو السبب وراء التنازل, حيث ستتسرب الأخبار عاجلا أو آجلاً, علماً أن كثير من حكام العرب هم في وضع شبيه بالموت السريري ومع ذلك هم مازالوا متشبثون بعنان السلطة حتى آخر رمق.
بقي هنالك أسباب أخرى ليست رئيسية ولكنها قد تكون محفزة, منها أن السياسة القطرية أدخلت البلاد في مواجهات عدائية مع كثير من الأنظمة والشعوب, وأصبح السياسة القطرية تشكل عبئاً على كاهل الدولة وتشكل خطراً على المواطنين أيضاً, فقد كانت قطر تتفاخر أن لها علاقات دبلوماسية جيدة مع الجميع حتى مع إسرائيل, واليوم باتت شبه معزولة من قبل كثير الأنظمة الحاكمة, وربما أراد الأمير أن يخفف الوطء عن كاهل الدولة, بأن يختفي هو ورئيس وزرائه عن واجهة الأحداث السياسية القطرية, ثم ينطلق ابنه بثوب جديد يعيد قطر لواجهة الأحداث بدون صدامات أو مُماحكات وبلا شتائم ولا تخوين أو كراهية, وهذا احتمال ضعيف ولكنه محفز أيضاً.
وفي نهاية المقال أعيد وأكرر أن أمير قطر كان بإمكانه انتظار بضعة أشهر حتى زوال نظام بشار ثم يتوج معركته تلك بالتنازل لولده تميم, فيصبح الأمر أكثر وقعاً وسيُفسر على أنه إيثار من قبل المنتصر وليس المهزوم, فما الذي جعل أمير قطر أن ينسحب من تلك المعركة التي أصبحت كسر عظم مع النظام السوري؟
هل ايقن أمير قطر من خلال حماته الأمريكان أن النظام السوري الحالي باقٍ لحماية حدود إسرائيل كما كانت مهمته خلال الـ 40 عام الماضية, وأكتشف أن جذور آل الأسد عميقة ومتغلغلة في عمق أمريكا أكثر من جذور آل ثاني الواهية, فقرر الرحيل مبكراً قبل أن يأتي وقت فيرى بشار جالساً بجانبه من جديد في إحدى القمم؟
الأيام كفيلة بكشف المستور وجلاء الحقيقة, وقطعاً لن ننتظر تلك الحقيقة من قبل قناة الجزيرة.

26\06\2013