الاثنين، 28 مايو 2012

أما آن الأوان للنظام السوري أن يرحل؟

من لا يستلهم العبر من التاريخ خائب ومن لا يقرأ الأحداث أحمق ومن لا يتعظ من مصائب غيره أخرق ولا عزاء للمُتخاذلين
حينما تستنعج الأسود المزعومة عليها أن تتنحى جانباً أو تبحث لها عن بيئة مُناسبة للخراف تسوسها حسب مواصفات القطيع
إذا أردت أن تكسر همة الأمم العنيدة عليك أن تجوعها وتجعل جل اهتمامها البحث عن لقمة العيش وبهذا تكون قد أركعتها
بعد تجويع الشعب العراقي وكسر عزيمته بدأت مرحلة تجويع الشعب السوري ومخطأ من يظن أنه سينجح بتجويع النظام السوري
زرت دمشق قبل ثلاثة أعوام وكانت تلك الزيارة هي الأولى لي لبلاد الشام أو سوريا بمفهومها القُطري (بضم القاف), وكانت رؤية العاصمة دمشق للوهلة ألأولى بالنسبة لي رؤية كئيبة وبائسة, وشعرت أنني أمام عاصمة مزدحمة هرمة وشعب مُرهق يسير دون هُدى, وكما قيل أن ترى بعينك خير من أن تسمع, كتبت حينها مقالاً طويلاً عبارة عن تقرير صحفي يُصور تلك الحالة الإنسانية التعيسة, حيث وثقت فيه مُشاهداتي ودونت فيه ملاحظاتي, وأكدت حينها أن النظام السوري وإن نجح نجاحاً باهراً في سياسته الخارجية, إلا أنه فشل فشلاً ذريعاً في إدارة السياسة الداخلية.
كنتُ حينها أتوقع أن النظام السوري برئاسة بشار الأسد سوف يفيق ويلتفت لمُعاناة شعبه ويُصلح ويُحسن من أوضاعهم المعيشية ويوسع مجال الحريات ويسمح بمزيد من الحقوق, مُعتمداً في ذلك على نجاحه في السياسة الخارجية وخروجه من عنق الزجاجة الدولية, ومؤملاً على موقف بشار حينما رفض المُشاركة في مشروع غزو العراق الذي نوقش في مؤتمر شرم الشيخ, وذلك الموقف حينها كان يُحسب له.
وحينما زرت سوريا لأول مرة في حياتي وأنا العابر المار مرور الكرام لاحظت أن ناراً تستعر وتتلظى من تحت الرماد, وذلك من خلال رصدي السريع لحالات التذمر السائدة والشكوى الدائمة من تردي الأوضاع الاقتصادية وتفشي حالات الفقر وارتفاع تكاليف المعيشة, بينما أزلام النظام وعيونه الذين كانوا يرقبون كل ساكن ومتحرك يبدو أنهم كانوا كالعادة يرفعون له التقارير الأمنية اليومية البراقة زاعمين أن الأمور مُستتبة, وكل شيء تمام, وأن الشعب يعيش في رغد وراضٍ عن النظام وأن كل الجماهير (الهتيفة) تصدح بشعار (منحبك) يا بشار!!
وكنت حينها أتوقع أن الرئيس السوري أذكى من تلك الترهات ويُدرك مغزى تلك المهرجانات النفاقية المُرتبة, وذلك لأنه مازال رئيساً فتياً ومُتابعاً للأحداث وقطعاً سيقرأ ما يدور حوله ويطلع على التجارب السابقة ويتجنب الأخطاء الكارثية التي وقع فيها غيره من الرؤساء والحكام, وافترضت أيضاً أن بشار ألأسد قارئ جيد للأحداث ومطلع ولديه حدس وحس أمني لمعرفة نبض الشارع السوري, وسوف يسارع بمعالجة تلك الكوارث الداخلية, كونه رئيساً شاباً وطبيباً للعيون (وغيرها من حجج اتضح بطلانها لاحقاً), ولابد أن يكون حكيم العيون عادةً ذو خبرة كبيرة في تشخيص أسباب العمى والرمد وحتى الغبش الذي يُصيب عيون البشر وأولهم الرؤساء والحكام العرب قبل غيرهم.
لكن ما جرى أخيراً أثبت أن بشار الأسد لا يختلف عن بقية الحكام الطغاة, وأن الأمور تدار في تلك الأنظمة القمعية المُستبدة من قبل الأقارب والأتباع والأزلام, وأن الرئيس هو مُجرد صورة مُنمقة ومرتبة ليكون واجهة للنظام, بينما جل اهتمامه منصباً حول أموره العائلية والانشغال بالشؤون الخارجية فقط, أما الشؤون الداخلية فتركها لبعض أفراد أسرته من المُتنفذين وهم من عُتاة المُجرمين والفاسدين, فتحولت سوريا إلى ضيعة خاصة لآل الأسد حالها حال بقية العزب العربية والمزارع الخليجية.
ويبدو أن ثالوث النظام السوري بدءاً من الأسد الأب إلى بشار الابن وحتى أصف شوكت الروح المقدسة, فهموا وتأقلموا على أن مفهوم الصمود والانتصار يعني أن تبقى سالماً مًستديماً على دفة الحكم بأي وسيلة وبكل طريقة كانت, وليس أن تستعيد الجولان المُحتل مثلاً, وكانت وجهة نظرهم السائدة أن الشعب السوري هو شعب درويش وقنوع يرضى بأقل القليل, وبإمكانه أن يربط حزام الجوع على بطنه أكثر فأكثر حتى ينقطع وسطه, وأن هذا الشعب المغلوب على أمره قادر على العيش على مادة الفول والحمص والمكدوس إلى أن تقوم الساعة, وأن المواطن السوري بإمكانه أن يوفر ما يحصل عليه من بقايا المازوت فيتدفأ في يوم ويبرد في آخر حتى يمر الشتاء القارص.
هكذا كانت نظرة النظام السوري لأبناء سوريا, أو بالأحرى هكذا كانت نظرة عائلة الأسد للشعب المملوك, ولهذا نجد أن أسرة الأسد عاشت حياة ملكية باذخة وأما أقاربهم وأصهارهم فعاشوا حياة المليارديرات بينما أبناء الشعب السوري عاشوا عبر مرحلة ملوك القرداحة حياة الكفاف والشقاء.
ولهذا فإن الشعب السوري كان يعيش حالة حصار اقتصادي داخلي وتضييق معيشي منذ عهد الأسد الأب ولحد الآن, وحتى حينما خرج الأسد الابن سالماً من المُخططات العدوانية للمُحافظين الجُدد, وذلك بعد أن غاص الاحتلال الأمريكي في الوحل العراقي, لم يفكر بشار أن يُكافئ ذلك الشعب السوري الأبي الصامد الصابر الوفي الذي وقف معه ومع أبيه في السراء والضراء طوال أكثر من أربعة عقود!
بل كان بشار يُريد من هذا الشعب بذل المزيد والمزيد من التضحيات والتحدي والوفاء والصمود والوقوف بوجه أعداء النظام, وغيرها من شعارات حزب البعث الطنانة, وكأن الشعب السوري شعب خارق للعادة ومعدوم من الأحاسيس والمشاعر وليس لديه تطلعات ولا يتمنى أن يعيش حياة رغيدة ويحيا حياة كريمة وسعيدة, وأن العيش الرغيد والحياة الباذخة لا تليق فقط إلا بأسرة الأسد ذات التاريخ الموغل في الفقر والتعثير!
ليس هذا فحسب فقد كان النظام السوري يتظاهر منذ عهد الأب وحتى الابن أن سوريا بلد فقير ومعدم, وهذا الادعاء باطل وغير صحيح, ولو كان هذا الكلام صحيحاً لما خرج علينا من القرداحة أكثر من عشرة مليارديرات خلال بضع سنوات فقط, على رأسهم رفعت الأسد وولده سومر ورامي مخلوف وآصف شوكت ووو الخ.
إذن الترويج لفكرة أن سوريا بلد فقير هي أكبر فرية في تاريخ الإنسانية, وقد استغل حافظ الأسد تلك الحجة أو هذا الملعوب في عمليات الاستجداء من دول الخليج وذلك من خلال توفير أسباب مقنعة لأصدقائه الخليجيين بالقول أن سوريا لا تملك بترول وعليه فهي بلد فقير فأستمرأ ذلك الأسلوب لكسب المساعدات دون أن يريق ماء وجهه كما كان يفعل الملك حسين.
فأصبحت هنالك فكرة سائدة مفادها أن سوريا بلد فقير وأن سبب انخفاض الدخول وصعوبة العيش وازياد نسبة المُعدمين, لأن البلد يخلو من البترول, وتلك أيضاً معلومة مُضللة؟
لأن سوريا فيها قدر لا بأس به من البترول, وهو ما يكفي لسد احتياجات الشعب السوري,ويفيض منه عدة مئات من آلاف البراميل للتصدير للخارج.
كما أن سوريا بلد غني بعقول أبنائه وطاقاته البشرية الهائلة, وأيضاً غني بوفرة مياهه وبمحصوله الزراعي وثرواته الحيوانية وكذلك ثرواته النفطية والمعدنية وبأماكنه الأثرية والسياحية.
ثم وجد الأسد الأب طريقة أخرى لجلب المال بالعملة الصعبة من خلال تصدير الأيدي العاملة والتكنُقراط السوري إلى دول الخليج العربي, فرفع عن كاهله مسؤولية الصرف على تلك الفئات وجعلهم كالدجاجة التي تبيض له ذهباً من خلال التحويلات المالية من العملة الصعبة, فبات يجني ملايين الدولارات سنوياً من خلال الحوالات النقدية لهؤلاء السوريون المغربون عن بلادهم لغرض تحصيل لقمة العيش.
وفات الأسد الأب والابن أن أبناء الشعب السوري المُغتربين من خلال سفرهم لدول الخليج واحتكاكهم مع الشعوب الأخرى المرفهة, سيبدؤون بالتذمر من خلال المقارنة بينهم وبين شعوب تلك البلدان التي تخضع تحت نفوذ أمريكا, وسيبدأ الكثير منهم يتساءل إلى متى سنبقى ندعي الصمود والمواجهة واسترجاع الأرض المُغتصبة, ومتى سنختار زمان ومكان المعركة حتى نعيش حياتنا الطبيعية, وما الفرق بين دويلات الخليج المرتهنة لأمريكا وبين حافظ الأسد حليف أمريكا والذي هب بقواته مع جيوش نورمان شوارسكوف لتحرير الكويت؟
حتى موقف بشار الأسد الرافض لغزو العراق, سرعان ما تغير حينما شعر أن كرسيه بات في خطر, فأصبح يقدم الخدمات الاستخبارية للجيش الأمريكي ويطلب منهم تزويده بالأجهزة الحديثة لمراقبة الحدود السورية العراقية كي لا يتسلل منها (الإرهابيون) حسب الوصف السوري, وقام أيضاً بتسليم مسؤولين عراقيين من أتباع النظام العراقي السابق أي (بعثيين) ومنهم أخوي صدام حسين وطبان وسبعاوي, وأصبح بشار منغمساً في دعم مشروع الاحتلال الأمريكي للعراق, فافتتح سفارة سورية في المنطقة الخضراء وبدأ وزير خارجيته وليد المعلم يزور بغداد, ناهيك عن أن أغلب قادة حكومات بول بريمر ورؤساء جمهوريات المنطقة الخضراء كانوا زبائن دائمين في حي السيدة زينب وبرعاية حافظ الأسد.
وقد كانت هنالك فرصة تاريخية للرئيس السوري بشار الأسد أن يسترد فيها الجولان المُحتل, ويُصبح رمزاً للسوريين ولربما لكثر من العرب أيضاً, لكنه ضيع تلك الفرص الواحدة تلو الأخرى, بسبب أن هنالك من روج له فكرة مفادها أن البقاء بسلام وديمومة في سدة الحكم هو يُمثل الانتصار الفعلي والحقيقي للنظام!
ويبدو أن بشار الأسد قد أدمن تلك الفكرة واعتقد أن مفهوم الفوز والتمكين يعني البقاء في السلطة إلى أبعد مدى والرسوخ في الكرسي وعدم الزوال, ونسي أن هنالك أراضِ سورية مُحتلة منذ أربعين عاماً تبحث عن المخلص وتنتظر ساعة الحسم, وسط تكاسل ولا مُبالاة من قبل النظام السوري السابق والحالي, أي من قبل الأب والابن, حتى أن إسرائيل تمادت أكثر من مرة واعتدت على الأراضي السورية وكان آخرها قصف مشروع مفاعل نووي سوري يقع في منطقة دير الزور, ثم قامت الطائرات الإسرائيلية بعد فترة بالتحليق فوق قصر الرئاسة السوري, وبقي بشار في عجز وصمت رهيب!!
وكان بإمكان بشار أن يخوض حرباً خاطفة ومُباغتة يسترجع فيها الجولان وما هو أبعد من الجولان وفي ساعات معدودة, ويقلب الطاولة على رأس الجميع, ويُربك كل الأطراف الدولية والإقليمية في المنطقة, خصوصاً وأنهُ يمتلك جيشاً كبيراً مُدرباً وقوات مُتحفزة ومُرتاحة, والجيش السوري كان بكامل عدته وعتاده, ولم يخض أي حرب منذ أربعة عقود.
وأنا أجزم لو أن بشار الأسد بادر بخوض الحرب لاسترجاع الجولان سوف يستميت الجيش السوري في حربه المُقدسة تلك, وسيستقتل في الدفاع عن المُقدسات والأرض والعرض, بل سيأتيه المتطوعون من كافة أرجاء العالم, وأنا على ثقة أنهُ سيخلص أراضيه من الاحتلال على أقل تقدير.
كانت فرصة بشار الأسد سانحة في حرب 2006 بأن يشن هجوماً مزدوجاً على إسرائيل لاسترجاع الجولان, خصوصاً أن إسرائيل كانت مشغولة مع حزب الله, وأصيبت بصدمة من خلال عدم مقدرتها على التقدم.
إلا أن بشار كأبيه استمرأ الخنوع وعشق الراحة وأحب الدعة والركون, فضيع فرصة تاريخية عظيمة لن تتكرر بعد الآن, وبدلاً من أن يخرج دباباته ومدرعاته صوب جبهة الجولان وجهها نحو صدور أبناء شعبه العارية!
ذكرني موقف بشار المتخاذل أمام إسرائيل طوال العشر سنوات, بموقف صدام حسين حينما بدأت القوات الأمريكية تحتشد على حدود الكويت لغرض غزو العراق وكانت تصرح بذلك علانية وكل يوم تجلب المزيد من القوات والمعدات, بينما صدام حسين كان مُتردداً ويترقب, وربما خانته شجاعته وتفكيره فتوقع أنهم سيتركونه وشأنه ويعودون لديارهم, ونسي أنهم تجشموا العناء وجاءوا بقضهم وقضيضهم ليس للتنزه بل للقضاء عليه وعلى نظامه.
وقد أطلقت حينها على تلك الحالة مُصطلح الاستنعاج؟
حيث يُصاب البعض بحالة من الخوار والجبن والتردد والتخاذل, يسميها العامة (أم الركب) أي تصطك ركب الإنسان, فيُصبح شبيه بالنعجة حينما تستشعر وجود الذئب.
والعرب يقولون في أمثالهم (استنوق الجمل) وأنا أقول استنعج الذئب.
وعليه فكل رئيس دولة يدعي أنهُ قائد أمة أو زعيم بلد ويبقى خائراً ولا يستطيع أن يُبادر ويخوض حرب تحرير أو حتى حرب دفاع مشروع عن النفس, فسوف يستنعج ويُصاب بأم الركب, عليه أن يتنحى جانباً ويترك المقعد لمن هو أجدر منه ويكون قلبه أشجع من قلوب المُرتعدين, ويبحث له عن مكان آخر ربما يجد فيه ضالته.
وبسبب ذلك التخاذل والخوف على الكرسي وحب الدعة والركون والتردد بات الشعب السوري في موقف المُتململ والناقم, ولسان حاله يقول : إلى متى سيستمر ذلك الوضع المُرهق والمُعلق والمُزري, وإلامَ الصمت والخنوع, وأراضيه مُحتلة أمام عينيه ووضعه المعاشي متدهور بحجة الصمود الزائف!
فحتى المرضى الذين يُعانون من السقم المُستعصي والأمراض الفتاكة, وبشار طبيب ويعرف جيداً مُضاعفات هذا الأمر, فحينما تضيق على المريض كل سبل العلاج وتستمر مُعاناته طويلاً, فسوف يسعى بكل ما استطاع لحسم ذلك الوضع المؤلم, لكي ينهي تلك المُعاناة الطويلة المُستمرة مع الأوجاع والآلام المُستعصية, ولهذا فلا يوجد شعب في العالم يبقى متوجعاً طيلة 40 عاماً والعلاج بين يديه, أو قاب قوسين منه أو أدنى لكي يسترد عافيته ويُعيد حقه المشروع, بينما خسائره قد بلغت في سنوات المُعاناة أضعافاً مُضاعفة!!
وربما غاب عن بال بشار الأسد ومُستشاروه أن أغلب الأنظمة العربية الخانعة والخليجية منها تحديداً تشتري صمت ورضى شعوبها ببريق المال, وتسترضيهم بتوفير الرفاهية لكي يتجاهلوا خياناتهم المتواترة ولكي يغضوا الطرف عن تآمرهم مع أمريكا والغرب, بينما الأنظمة التي تزعم الصمود وتدعي المُقاومة هي أنظمة مادية شرهة وشحيحة تحرم شعوبها من الحياة الكريمة وتتعمد تجويعهم, وتجعلهم فريسة سهلة لمُغريات تلك الأنظمة المتآمرة, بينما أنظمة الصمود والتحدي المزعومة تعيش ملذات الحياة وتتسوق من أرقى المراكز التجارية ودور الأزياء في العالم, وترفض أن تتزحزح عن برجها العاجي أو لتبادر بالتعاون مع شعبها لحسم المعركة المزعومة لتنهي تلك المُعاناة الطويلة.
وكل من يدخل للعاصمة السورية دمشق, سيرى البؤس الظاهر على مُحيا الناس, وأيضاً سيرصد ملايين من الصحون اللاقطة (الستلايت) على سقوف تلك المنازل حتى أصبحت دمشق وكأنها وكالة ناسا أو شبكة عناكب من تلك الصحون الفضائية المُتراصة والموجهة نحو السماء, وكل تلك اللاقطات هي موجهة للقنوات الأجنبية وخاصة القنوات الخليجية التي تبث ثقافة الاستهلاك والرفاهية والتعري, وبعضها يمارس سياسة الفرمتة وغسيل العقول من خلال أمركة ثقافة الشباب, ولهذا سلم أغلب السوريون عقولهم للثقافة الخارجية المستوردة عبر تلك الأٌقمار الصناعية.
أحد الصحفيين الغربيين عندما شاهد تلك الصحون اللاقطة تملأ سطوح المنازل في دمشق, قال :
(شعب لديه كل هذا الكم الهائل من الصحون الفضائية اللاقطة, قطعاً سوف لن يرضى عن هكذا نظام).
أما الجاليات السورية التي أجبرتها الظروف المعيشية الصعبة للعمل في دول الخليج, فهم في حالة غربة واغتراب مغمسة بالإهانة والتعب النفسي, وهم على الدوام في صراع ومُقارنة ضيزى بين معيشتهم الضنكى بحجة أنظمة المُمانعة والمُقاومة والصمود المزعوم وبين معيشة أولئك التابعين للركب الأمريكي في دول الخليج من أنظمة التطبيع, فأصبحوا يعيشون في وضع مُحبط جداً وصراع نفسي قهري قاتل, فلا هم حرروا الأرض المُحتلة من قبل إسرائيل منذ عقود وطردوا العدو وانهوا ذلك الكابوس الأزلي المُعلق بعد مرور أكثر من 40 عاماً على سياسة المُمانعة والصمود ومن ثم عاشوا حياتهم الطبيعية؟
ولا هم تحولوا إلى عملاء وأذناب للغرب حالهم كحال بقية شعوب أنظمة دويلات الخليج العربي, مادام السفير الأمريكي هو الحاكم بأمر الله سواء في الرياض وهو كذلك في دمشق, ولهذا تجد أغلب السوريين الذين عملوا في الخليج عادوا وهم ناقمون على الأوضاع الداخلية وباتوا متذمرين من تشدقات النظام السوري الجوفاء بالمقاومة والصمود, وتولدت لديهم حالة يأس سلبية ولدت مشاعر متضاربة لديهم دفعتهم للإعجاب بأنظمة الخليج المُتأمركة, وهذه النقطة لم ينتبه لها النظام السوري المشغول بشفط المال العام وإفساح المجال لآل القرداحة بالنهب والسلب العلني.
بل حتى الفنانين السوريين من مُمثلين ومطربين ورسامين حينما كانوا يزورون بلد كالإمارات مثلاً, كانوا يُصابون بصدمة حضارية مرجعها البنية التحتية والبنايات الأسمنتية الشاهقة, ولم يأبهوا إذا كان هنالك عقول عبقرية هناك أو لا, فقد كان السوريون يدهشهم فقط رؤيتهم لناطحات السحاب العملاقة والمراكز التجارية, وعندما يُشاهدوا الأبراج السكنية الحديثة والسيارات الفارهة والمترو يشعرون أنهم تقوقعوا في بيئة متخلفة وبنية تحتية معدومة, وهو الأمر الذي جعل علي فرزاد مثلاً الذي عمل في بعض الصحف الكويتية أن يقلب ظهر المجن لمعلمه بشار, ونفس الدافع جعل المُطربة السورية أصالة نصري التي كانت تتغنى بانجازات حافظ الأسد وتتمنى له الحماية الإلهية, وتتغزل بالأمل الواعد لولده بشار, أن تنقلب فجأة وتلجأ للإمارات وتبدأ بالتظلم في أن النظام السوري يتهمها بأنها عميلة للنظام القطري.
ولا ننسى وضع الإعلاميين السوريين العاملين في القنوات الفضائية الإخبارية الخليجية, كقناة الجزيرة أو العربية أو غيرها من قنوات أخرى, وكيف تغير تفكيرهم ومزاجهم العام وأصبحوا لا يطيقون تنظيرات وشعارات النظام السوري المُستهلكة.
المُزري أن النظام السوري هو الآخر قد تحول من نظام اشتراكي تكافلي خدمي, إلى نظام رأسمالي بغيض متغول وشره, وأن رؤوسه الكبار وأهم ركائزه أصبحوا يقلدون رفاه وعجرفة أمراء ومشايخ دويلات الخليج, فبات رامي مخلوف مثلاً يسعى لأن يكون مليارديراً على شاكلة محمد بن راشد المكتوم أو شبيهاً للوليد بن طلال ولكن بنسخة سورية مشوهة.
فأصبح مخلوف فجأة وبدون سابق إنذار يملك المليارات من الدولارات ويُدير عشرات الشركات التجارية ويمتلك قنوات فضائية, بينما 70% من أفراد الشعب السوري لا يجدون ثمن المازوت!
والسؤال الشفاف والموجه لبشار الأسد هو : كيف أصبح رامي مخلوف مليارديراً بلمح البصر وهو لم يعرف عنه أنهُ كان ابناً لعائلة ثرية أو ورث من آبائه وأجداده الأموال والأطيان!؟
ذلك السؤال الأزلي أوجهه لبشار الأسد لأنه وحده من يعرف وهو من لديه الإجابة الشافية, وبالمُناسبة هي ستكون نفس الإجابة عن سؤال آخر يقول : من أين لعم الرئيس رفعت الأسد وأبنائه تلك المليارات والفنادق الفخمة في ماربيلا ألأسبانية؟
ومشكلة النظام السوري أنهُ نظام دكتاتوري مادي شحيح ومُقتر على شعبه, بينما سوريا في الحقيقة من أغنى بلدان العالم, وفيها خيرات كثيرة تكفي الشعب السوري وتفيض, وكان بإمكان النظام ترفيه الشعب من خلال تقسيم الدخل القومي بعدالة على كافة المواطنين, ومن خلال ذلك الدخل كان بالإمكان رفع قيمة الليرة السورية, لو أن الأموال التي تجبيها الدولة ذهبت إلى مكانها الصحيح, وليس إلى جيوب اللصوص والسراق.
فسوريا بلد زراعي والمياه متوفرة, والثروة الحيوانية فائضة, والسياحة رائجة فيه, وموانئ البلد قريبة جداً ومفتوحة على أوربا, وهنالك صناعات خفيفة ومتوسطة لا بأس بها, والدولة مُستقرة منذ أربعة عقود ولم يخض النظام أية حرب خارجية, فلماذا بقي المواطن السوري مُعدماً وفي حالة مُزرية؟
ألم يفكر بشار لماذا؟
حتى الأغنام ذات اللحوم والصوف الأجود في العالم والتي تشتهر فيها نفس المناطق المتجاورة في سوريا والعراق, وهي ما تسمى بأغنام العواس السورية وأغنام النعيم العراقية, لا ينوب الشعب السوري منها شيء, ولا يذوقوا من لحومها إلا الفتات وفي المُناسبات فقط, بينما تذهب جل تلك الأغنام المُميزة إلى دول الخليج!
كيف يمكن أن تكون سوريا من أكبر البلدان العربية المُصدرة للحوم الأغنام من نوع العواس الشهيرة بجودة لحومها و80% من الشعب يعتمد في غذائه على المكدوس!
ألم يسأل بشار الأسد نفسه لماذا يصدر لحوم الأغنام السورية لدول الخليج ويحرم شعبه الكادح من أن يتذوقها؟
فقد سبق أن لمح وزير الخارجية السوري وليد المعلم في أحد مؤتمراته الصحفية الأخيرة, إلى أن النظام السوري غير راغب بحرمان دول الخليج من أغنام العواس, لأنهم تعودوا عليها وأحبوها!!
تخيل أن المعلم يُساوم أنظمة الخليج على بطونهم, ويعتقد أنه من خلال التلويح بورقة الأغنام سيضغط عليهم, وهو يُدرك جيداً أن هنالك بدائل كثيرة وأن مقايضته فاشلة وهزيلة.
وبدلاً من أن يُلوح وليد المعلم بورقة أغنام العواس, كان الأحرى به أن يقول أنهم سيوقفون تصدير الأغنام إلى دول الخليج, لكي يشبع الشعب السوري لحماً وهم يعيشون الآن حالة من الحصار الاقتصادي شبيهة بحصار العراق.
لكن النظام السوري قد تعود على الانبطاح لدول الخليج لأنه صنع من بلده مكاناً لترفيه الخليجيين وجعل من ثرواته الحيوانية غذاءً شهياً لهم, وجعل من نفسه نظاماً فقيراً لكي يستجديهم, ولهذا فقد أدمن النظام على المال الخليجي ولن يستطيع أن يُحرر نفسه من تلك العادة, ومازال النظام السوري ينتظر طوق النجاة الخليجي لعلهم يرضوا عنه, وأنا أجزم الآن لو آل سعود أعطوا إشارة بسيطة لبشار الأسد لركض إليهم مهرولاً لكي يسترضيهم, لأنهُ سبق وأن وصفهم بأنصاف الرجال, لكنه سرعان ما ركب طائرة الملك السعودي عند أول إشارة سعودية.
فكم تباكى النظام السوري من سياسة قطر والسعودية العدوانية وكم تذمر من نهج قناة الجزيرة وقناة العربية, وكم شتم القرضاوي والعرعور, وينسى أنهُ بسياسته الداخلية الفاشلة وخنوعه لأنظمة الخليج وبإهماله لشعبه وتفريطه بسيادته قد ساهم في تكالب هؤلاء عليه, والمثل العربي يقول : (يداك أوكتا وفوك نفخ).
وشخصياً أرى بعد كل تلك المجازر الدموية الرهيبة التي تورط بها النظام السوري بحق أبناء الشعب السوري, والتي يحاول أن يتنصل منها بحجج وأعذار واهية, يبدو أن مُعاناة الشعب السوري ستطول إذا لم يوضع لها حداً, وأنا أجزم أن الغرض من تلك الإطالة هو تحطيم الشعب السوري وكسر معنوياته ليخرج من أزمته تلك منهاراً ضعيفاً مفككاً كما حدث في العراق, وذلك من خلال فرض الحصار الاقتصادي عليه وتجويع الشعب بأكمله, فعندما يفرض الحصار الاقتصادي على النظام سوف لن يدفع الثمن إلا أبناء الشعب المغلوبين على أمرهم وخصوصاً الطبقات الفقيرة التي لا تجد قوت يومها.
لأنهم سبق وأن حاصروا الشعب العراقي وكان يدركون جيداً أن الضحية سيكون الشعب وحده, وأن النظام وأركانه لن يجوعوا قط, وهاهم الآن يُكررون نفس السيناريو الخبيث على أبناء الشعب السوري الذي هو مجوع أصلاً من قبل النظام وتعيش أغلب أسره حالة من الكفاف.
أعتقد أنهُ آن الأوان لبشار الأسد ونظامه أن يرحلوا ويتركوا الشعب السوري العظيم أن يقرر مصيره, قبل أن يجروا البلد لمصير مجهول, فبشار قد فشل في تحرير الجولان كما فشل أبوه من قبله, وأخفق في توفير العيش الكريم للشعب السوري, وتورط في مجازر دموية رهيبة كان آخرها مجزرة الحولة.
وعليه فقد آن الأوان للنظام السوري أن يرحل قبل أن يُرحل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2012-05-28

الجمعة، 11 مايو 2012

من سيُصبح الرئيس القادم لمصر؟

الرئيس الجديد لمصر الثورة وإن كان سيأتي عبر صناديق الاقتراع إلا أنهُ سيكون في موقف صعب لن يحسد عليه
وحمدين صباحي أفضل المرشحين للفوز بكرسي الرئاسة لكن خصوم الناصريين لن يدعوه يحظى بذلك المنصب
واللواء المشؤوم عمر سليمان رغم كل الدعم السعودي له فقد لفضه الشعب قبل أن تستبعده لجنة الانتخابات
وتداعيات أزمة الجيزاوي كشفت عورة بعض مُرشحي الرئاسة وأبرزت شخصية حمدين صباحي كمرشح وطني
لا شك أن مصر المُكبلة بقيود الطغيان والفساد والظلم والمُقيدة باتفاقية كامب ديفيد المهينة بدأت تصحو من غفوتها القسرية الطويلة, وهي الآن على أبواب النهوض من جديد لنفض غبار الذل والهوان الذي خلفه أنور السادات وحسني مبارك ونزع تلك القيود والأغلال والعودة من جديد لدورها التاريخي المجيد.
فلا رفعة للعرب ولا عزة للمُسلمين إلا بوجود مصر الحُرة الأبية مُتمركزة في موقعها التاريخي الصحيح, في أن تكون الذراع الطويل والرأس السليم الذي يقود ولا يُقاد, تلك هي حتمية التاريخ وواقع الحال, فمنذ أن عُرفت مصر كدولة وهي الهامة وعلى الدوام كانت هي بيضة القبان أو العامل الحاسم في وجود وثقل الأمة, وذلك هو قدر المصريين دون سواهم.
فأيام قلائل فقط تفصلنا عن انطلاق المرحلة الأولى لانتخابات الرئاسة المصرية, وتلك المُناسبة تحدث لأول مرة في مصر عبر تاريخها, بل وفي منطقتنا العربية قاطبة, فلم يحدث قط أن سمح لشعب عربي أن يختار قائده أو رئيسه أو ينتخب ممثله في البرلمان إلا من خلال تلك الحالة المصرية الحاضرة, ولهذا فإن تلك المُناسبة التاريخية ستكون فريدة من نوعها وعزيزة على نفوس الأحرار وقطعاً ستكون نقطة تحول فاصلة في تاريخ مصر الحديث إذا ما سارت الأمور على ما يرام وتمت بطريقة طبيعية دون تدخلات خارجية أو مُنغصات من قبل المجلس العسكري, أو حدوث حالات تزوير كما يحدث عادةً في عهد المخلوع حسني مبارك.
أعتقد أن على الإخوة المصريين أن يوثقوا ذلك اليوم التاريخي العظيم, وأن يجعلوه يوماً وطنياً عاماً لجميع الأحرار في العالم وليكون مناراً للأجيال المصرية القادمة, كي يعرفوا قدر وأهمية ذلك الانجاز التاريخي العظيم الذي حققه أبناء المحروسة الأشاوس في هذا العصر الحديث.
شخصياً أقر وأعترف أنني كنت يائساً ومحبطاً من دور مصر طوال تلك السنوات العجاف, وكنت ناقماً على ما يُسمى بنخبة المصريين, وفي كل مُناسبة كنت أرثي لأحوال مصر الرهينة الكسيحة, ولطالما كنت أأسى لحال أي مصري ألتقيه في الخارج, خصوصاً أنني كنت لا أطيق نفاح البعض منهم المُستميت عن جلاديهم سواء كان السادات أو عن مبارك, لأنني كنت أرى في المصري ذلك المواطن العربي المسحوق المُنهك الذي تقلب به يد الأقدار في سائر البلدان والأمصار دون جريرة أو ذنب سوى أنهُ مواطن طيب مغلوب على أمره, فكنت أعجب لذلك الرضوخ والقبول بالمهانة حتى أصبح تأقلماً مذموماً, وحينما كنت أشتم حسني مبارك الذي أوصل أبناء مصر المحروسة لتلك الحالة البائسة, كانت تثار حمية البعض منهم وترتفع عقيرتهم للدفاع عما كانوا يسمونه (بالسيد الرئيس)!؟
وكنت أعجب لردات فعل هؤلاء (المسحوقين) وأأسى لحالهم, فكيف يُمجد الضحية بجلاده!
كيف ينافح المواطن المقموع ويدافع عمن يظلمه ويسومه سوء العذاب!
كيف يجد هؤلاء المنهكون المتعبون المغربون عن وطنهم الطاقة أو الوقت للبحث عن أعذار وحجج يذودوا بها عن جلادهم حسني مبارك الذي دفعهم دفعاً للهجرة والغربة عن أوطانهم لكسب لقمة عيش كان يمكن لهم أن يحصلوا عليها من ثروات مصر الهائلة!
ليس هذا فحسب فأحياناً تجد بعض المتطوعين المصريين يتبرعون للنفاح عن طغيان آل سعود أو عن عمالة آل ثاني أو عن عهر ملك الأردن أو أو الخ!
وللأسف كنتُ بعيداً عن واقع مصر الحقيقي ومغيباً عن الحراك الوطني المصري في الداخل, ولم أدرك حقيقة ما يدور هناك بسبب التعتيم الإعلامي والإيمان بأن الظاهر على السطح هو الواقع الحقيقي لمصر.
لأنني كغيري كُنت أجد في كل من تبوء منصباً حساساً في الأمم المتحدة من المصريين كانوا هم ’كامبديفيدين’ حتى الثمالة ابتداءً من بطرس غالي وحتى محمد البرادعي!
وبدلاً من أن أجد من يُصحح لي تلك الصورة المقلوبة ويُغير لي فكرتي الخاطئة عن تلك الحالات المصرية الشاذة, كانت الفضائيات العربية وعلى رأسها قناة الجزيرة القطرية وقناة العبرية السعودية, تبث سمومها وتوغل في ترسيخ تلك النظرة العدمية القاصرة عن المصريين, وكأن تلك الفضائيات تقول للمُشاهد العربي أن كل المصريين سيئين ومتزلفين, وأن كل الشعب المصري هم مثال حي لأولئك الضيوف المُنافقين الذين باتوا ماركة مسجلة على شاشات القنوات الفضائية!
فلم تكن تختار تلك القنوات الفضائية المسمومة من ضيوفها (المصريين) إلا الحثالة والرعاع ومن هو أتفه وأسوء وأخبث خلق الله, وكأنها كانت مؤامرة مقصودة لجلب الكراهية والنقمة على مصر وشعبها!
فلا تكاد تخلو الفضائيات الإخبارية يومياً من تلك الوجوه البوليسية الكالحة التي تبارك الباطل وتنافح عن الطغيان وتسوق لمعاهدة كامب ديفيد وتُبرر جرائم حسني مبارك, تلك الشخصيات الممسوخة التي ما برحت تتغنى بإسرائيل وتُمجد بأمريكا وتسخر من العرب وتهزأ من دين وتراث المُسلمين وتنعتهم بالإرهابيين.
فمرة تجد الكاتب الصهيوني (المصري) علي سالم وهو ينافح عن دويلة المسخ إسرائيل حتى تتخيل أنك أمام يهودي اشكنازي, فلا يتورع هذا المسخ في أن يشيد بمواقف صديقه السفير الإسرائيلي في القاهرة, ويفتخر أنهُ شد رحاله أكثر من مرة إلى تل أبيب ليلتقي أشقائه الإسرائيليين!
وتارة تجد اللواء المتقاعد حسام سويلم ذلك البوق المباركي وهو يُلعلع بصوته الناعق المؤذي للأذن ليحدثك مُتملقاً عن منجزات سيده الطاغية مبارك بطريقة مقززة ولا ينسى في كل مرة في أن يشيد بالضربة الأولى التي نفذها سيادة الرئيس! وكأننا أمام رامبو مباركي جديد!
ثم سرعان ما ستشاهد لواء الشرطة المتقاعد الآخر (الرخم) نبيل لوقا بباوي وهو يكذب جهاراً وبكل بجاحة ويحدثك عن حضارية السجون المصرية في عهد مبارك ويُردد على مسامعك كلمات (الله ,, أُومال ,, أزاي), تلك المُعتقلات الرهيبة التي باتت حسب زعمه تضاهي السجون الإسكندنافية, ثم بكل صفاقة يُحدثك عن حرية وحقوق السجناء في مصر واحترام آدميتهم في مُعتقلات مبارك والتي تحولت إلى حظائر ومسالخ للمعتقلين الأجانب والعرب الذين ترسلهم أمريكا لعميلها الصغير مبارك كي يستخلص منهم الاعترافات عنوة وعن طريق التعذيب!
ثم لا يمر على المُشاهد بضع ساعات فقط إلا وتجد بوق الحزب الوطني المُمل المدعو مجدي الدقاق على قناة الجزيرة أو قناة العربية أو البي بيس ي أو القناة المصرية أو دريم أو أو الخ, وهو يحدثك عن الحالة الديمُقراطية التي تعيشها مصر وعن الشفافية التي جرت في عملية انتخاب مبارك!
ثم سرعان ما تجد قرينه الآخر عبد الرحيم علي خبير - الكفتة والكباب - وهو يتكلم عن خطورة الإرهاب (الإلهاب) الإسلامي!
بل حتى في مجال الثقافة والفكر والفن التي أمتاز بها أبناء الكنانة عبر تاريخهم المديد, فهنالك من تعمد أن لا يظهر لنا من مصر في الإعلام إلا الغثاء ورجيع الحشاشين وبقايا الأونطجية من أمثال القميء السيد القمني والساحرة نوال السعداوي.
أما الفن وأهله فقد أصبح سيرك وأداة بيد نظام مُبارك وولديه إلا من رحم ربي, فمن الواد سيد الشغال الذي يدعونه بـ"الزعيم" إلى أحمد راتب وغيرهم من متملقي النظام, فقد أصبح عادل إمام صبي من صبيان الواد جمال وبات يتملقه بطريقة مقرفة, وبات هو الناطق الرسمي بسم مبارك وولديه, بل كان يتبجح بأن الفلسطينيين في غزة إرهابيين ويريدون أن يورطوا (مصر) في حرب بالنيابة.
ولا ننسى الرداحات أو الثنائيات الأرجوزية أو (الدويتو المرح) الذين كانوا يحتكرون أغلب وسائل الاعلام المصرية والعربية المرئي والمقروء منها, للصراخ والثرثرة والمُزايدة, ابتداءً من الإخوة أديب (عماد وعمرو) إلى الإخوة بكري (مصطفى ومحمود)!
وغيرهم الكثير لا تحضرني أسمائهم الآن, لكن كل تلك الوجوه الانتهازية الصفراء كانت مهمتها تجميل الوجه القبيح لنظام مبارك بحجة حب مصر وكأن مبارك هو من خلق مصر من العدم, ودفع المواطن العربي المكلوم الحانق لأن يكره كل ما هو مصري ويمقت كل شيء له علاقة بالمصريين, وللأسف كادوا أن ينجحوا في مخططهم لولا أن مصر أصيلة وشرفاءها كُثر ولن يسمحوا للسماسرة أن يتاجروا بوطنهم مهما بلغ طغيان ومكر هؤلاء المُتاجرون.
وبسبب ذلك الجو العام المُلبد بغيوم التبعية والانبطاح والاستخذاء أصبحت كغيري ناقماً وأرغمت شخصياً في تلك الفترة على أن لا أخذ بجدية أي شيء يمت لمصر بصلة, لأني كنت لا أرى في مصر إلا ذلك الغثاء الذي يطفو على السطح, حتى وصلت بي الحال أني كنت لا أستسيغ أي رأي لأي مصري مهما كان, لأن الصورة أصبحت ظلامية ومشوهة, بسبب ذلك التعتيم وتلك الحلقة المفرغة التي تدور فيها القنوات الفضائية, حتى بدأت تقنية الفيسبوك تنتشر وبدأت الشعوب العربية تتواصل مع بعضها البعض, وأصبح همنا واحد بين المشرق والمغرب, وهنا بدأت وكأنني أكتشف مصر العروبة لأول مرة, فوجدت أن هنالك آلاف المصريين الشرفاء الأحرار الذين يواجهون بصدورهم العارية مخرز الطاغية مبارك, ويتحدون تيار النظام الجارف المدعم من قبل أمريكا وإسرائيل ودول الخليج, وأن هنالك شخصيات مصرية مُناضلة رائعة ضحت ومازالت تضحي فتشعرك بالضآلة أمامها حينما تعرف مقدار تضحياتها وتطلع على مُعاناتها مع نظام مبارك!
كان على رأس هؤلاء الأستاذ عبد الحليم قنديل ذلك المصري الأصيل البسيط العنيد التواق لمصر الحُرة والواثق من نفسه والثابت على مبادئه, لقد بدا عبد الحليم قنديل يواجه ذلك المارد لوحده ولم يدعه الآخرون وشأنه, بل وصفوه بدنكوشوت العصر الحديث الذي يُحارب طواحين مبارك وزباينته بسيفه الخشبي, لكن قنديل أثبت لهم لاحقاً أنهُ طائر فينيق مصري أصيل خرج من بين براثن وحطام الطغاة وحلق عالياً في أجواء المحروسة مُعيداً الثقة لكل المنهزمين ومُلقناً درساً لكل المُتخاذلين في مبادئ الوطنية والقيم, ولسان حاله يقول لهم : أن للباطل جولة وأن للحق دولة.
فآليت على نفسي منذ ذلك الوقت أن أعيد نشر مقالات الأستاذ عبد الحليم قنديل دون أن أعرفه, في الصحيفة الإلكترونية التي كنت أحررها, لأنني وجدت نبراساً مصرياً ساطعاً وإن كاد أحياناً يُنير أو يخبو لوحده.
ثم سرعان ما اكتشفت أن هنالك مصريين كُثر لهم مواقف مُشرفة ودور كبير في تثقيف وتحريض الشباب المصري على استرداد الكرامة ورفض الطغيان, ومن هؤلاء كان الناصري الجديد حمدين صباحي, والحق يُقال أن عبد الحليم قنديل هو أول من علق الجرس مع حركة كفاية وله الأسبقية في مقارعة النظام المباركي.
ولكن لحمدين صباحي دور تعبوي آخر لا يقل شأناً عن دور عبد الحليم قنديل, وذلك في تجديد الفكر الناصري القديم الجامد الذي لم يراجع أخطائه ومن ثم إعادته إلى الأضواء, وإن كان خطابه أقل حدة من خطاب عبد الحليم قنديل الذي كان مُدمراً لنظام مبارك.
وهنالك شخصيات مصرية حُرة أخرى كان لها دور في شحذ الهمم كان أغلبهم من الشباب الثائر, هنا شعرت أنني ومعي الكثيرين من أمثالي قد خدعنا وغبش علينا طوال تلك السنوات العجاف, وقد وقعنا في الفخ الاعلامي المُمنهج حينما ظننا أن مصر هي أولئك المسوخ أمثال علي سالم والدقاق وعبد الرحيم وبباوي وغيرهم من أرجوزات مبارك.
ولابد هنا أن أشكر الصدفة أو ربما أحيي موقع الفيسبوك لأنه كشف لنا الواقع المصري الحقيقي, ومن محاسن الصدف أيضاً أن تلك المواقع الاجتماعية عَرت أزلام وأذناب مبارك الذين لم يكن لهم أي وجود يذكر أو حضور فعال في موقع الفيسبوك!
وشخصياً لن أنسى أبداً ذلك المنظر المُهيب الرهيب, حينما اصطفت جموع المُتظاهرين من أبناء الشعب المصري الأبي فوق أحد جسور القاهرة ليؤدوا صلاة الجماعة أمام هراوات أزلام وزبانية وشرط مبارك, حينما كانوا يرشونهم بخراطيم المياه الساخنة, وهم صامدين في مواقعهم ومُستمرين بالركوع والسجود!
في الحقيقة كان منظراً اعجازياً ولقطة خشوع تاريخية أعادت لي الحياة من جديد, كان منظراً مُهيباً بكل ما تعنيه الكلمة وكل من شاهد تلك اللقطة لابد وأن اقشعر بدنه وهو يشاهد ذلك الموقف المُهيب, ذلك المنظر القدسي جعلني اقفز من مكاني وأصرخ دون أن أشعر (نعم ,, هذه هي مصر التي نعرف).
فمن منكم لا يذكر تلك الصورة السريالية التي صنعها المصريون الأشاوس, لقد كانوا يواجهون الموت بصدورهم العارية ويصدون رشقات الرصاص بالتكبير والتهليل!
نعم لقد فعلها المصريون عندما انتفضوا وأعادوا لنا الثقة في مصر العروبة وفي شعب مصر الجبار, واليوم هم على أبواب الحسم وقطف ثمار الثورة, وهو يوم اختيار المرشح لمنصب الرئيس القادم, وكلنا يعلم حجم المؤامرات والتدخلات الخارجية التي تريد أن تجهض تلك الثورة الوليدة.
والحقيقة لم أرى أشأم ولا أشد نحساً من لواء المخابرات وجلاد مبارك عمر سليمان, ولا أخفيكم سراً أنني كُنت أخشى من أن يثب ذلك الضبع الصهيوني المُتأهب على السلطة بعد تنازل مبارك مُرغماً, لأن عمر سليمان يمثل جميع مصالح وأطماع الدول الخارجية في مصر, فهو رجل إسرائيل الأول وهو جلاد أمريكا المفضل وهو شرطي آل سعود المُدلل.
وقد ظن عمر سليمان أن قبوله بالأمر الواقع والابتعاد ثليلاً عن الأضواء ومن ثم العودة مرة أخرى بثوب جديد وبدعم سعودي مفتوح, سوف يستطيع من خلاله أم يقطف كرسي الرئاسة المصري.
ولو عاد القارئ بذاكرته قليلاً إلى الوراء سيجد أن الجلاد عمر سليمان نزلت عليه الديانة والورع فجأة, فقرر أن يذهب إلى السعودية لأداء مناسك العمرة! يا سبحان الله
وهنالك التقى عمر سليمان بآل سعود وتعهدوا له بالدعم المفتوح مالياً وإعلامياً ومعنوياً, بل حتى منشورات حملته الانتخابية طبعت في جدة وشحنت إلى مصر, وكاد اللواء المشؤوم أن يقطف الثمار لولا وعي ونباهة الشعب المصري الذي أجهض كل مخططات آل سعود وذهبت كل جهود الغراب سليمان أدراج الرياح, وكما يقول المصريون فقد (طلع نأبه على شونه).
ولم ييأس آل سعود في محاولاتهم الحثيثة لاجهاض الثورة المصرية, ولم تتوقف مساعي أمريكا وإسرائيل في إيجاد البدائل لمرشحهم المنحوس عمر سليمان, وهنا كان البديل هو عمرو موسى, وأنا سبق ونبهت الإخوة الثوار في مصر أن يحذروا من تلون المدعو عمرو موسى وأن ينبذوه لأنهُ من فلول نظام مبارك ولن يصح لثورة شعبية جبارة أن تعيد تلك الوجوه القديمة المتملقة لمبارك لواجهة الثورة مهما ادعوا أو تصنعوا.
فمن العار أن يترأس مصر الثورة ,, مصر الحُرة الجديدة شخصية مُتزلفة مثل عمرو موسى وكأن ليس في هذه البلد إلا هذا الولد, طبعاً سيستميت آل سعود وحتى قطر في دعم عمرو موسى لأنه تابع ذليل لهم وحمل وديع مقارنة ببقية المُرشحين.
فقد كان أمير قطر وسعود فيصل يستخدمان عمرو موسى أثناء رئاسته للجامعة العربية كجرسون رخيص في مؤتمرات القمم العربية, لأن مبارك كان يستمتع في أن يكون عمرو موسى هو خادم القوم, وكلنا شاهد أمير قطر حمد بن خليفة وهو ينادي بأعلى صوته على عمر موسى في قمة سرت بالقول له (يا عمر ,, يا عمر تعال) بدون أي ألقاب أو أي احترام لمنصبه!
ثم جاء عمرو موسى مهرولاً نحو أمير قطر, وطأطأ على كرسي حمد بن خليفة وبدأ يملي عليه الأخير التعليمات!
مثل هذا الشخص أعتقد أنهُ لت يصلح لأن يتبوأ منصب رئيس مصر الثورة مصر الإباء والشموخ والتحرر.
مصر الثورة تحتاج لوجه مصري جديد يمتلك سمات الإباء والرجولة والحرص على كرامة المصريين.
فالشعب المصري اليوم ليس هو الشعب في عهد مبارك, فقد أصبحت كرامة المصري فوق كل شيء, والدليل أن أبو العز الحريري وهو من ضمن مرشحي شباب الثورة, حينما سارع مع الوفد الذي ذهب لمقابلة الملك السعودي أبان أزمة المحامي المصري الجيزاوي, انخفضت شعبيته وتراجع مؤيدوه, لأنهُ بنظرهم كان انتهازياً وصولياً, لأنهُ سبق وصرح على قناة الجزيرة في لقاء خاص, أنهُ سيقف في وجه تدخلات دول الخليج التي تريد أن تحيد من دور مصر وتجعلها تابعة لها!
ولكن حينما دُعي أبو العز الحريري لمقابلة الملك السعودي كان أول الراكبين في طائرة السيد البدوي شحاته!
بل أطلق المصريون الناقمون والمطالبون باسترجاع الكرامة على أفراد ذلك الوفد المصري في تويتر مُسمى الشحاتين, ولم يستثنوا منهم حتى أبو العز الحريري.
بينما بالمُقابل رفض المرشح الناصري حمدين صباحي الذهاب مع ذلك الوفد الإستجدائي, بل وطالب بسحب السفير المصري للتشاور رداً على الموقف السعودي, وهو ما زاد في شعبيته واحترامه من قبل الجمهور المصري, وجعله في موقع مُتقدم, وسواء استغل حمدين صباحي ذلك الموقف وجيره لصالح حملته الانتخابية أو كان هذا موقفه المبدئي الحقيقي, فهذا يدل على أن المزاج المصري قد تغير وأصبح المصريون يبحثون عن المُرشح القوي الذي يُعيد للمصريين مكانتهم وكرامتهم.
ولأول مرة أيضاً تجري حوارات تلفزيونية مُباشرة للمرشحين إلى سدة الرئاسة في مصر, حيث يقوم هؤلاء المرشحون بتقديم برامجهم الانتخابية ويطرحون خططهم لقيادة البلد في حال نجاحهم في الانتخابات, وأيضاً فقد أبلى حمدين صباحي وأبو العز الحريري بلاءً حسناً في برامجهما الانتخابية.
وشخصياً أتوقع أن يحظى المرشح حمدين صباحي بنسبة عالية من أصوات الناخبين, ولكنه سيجد صعوبة بالغة في الوصول إلى منصب الرئيس بسب تحالف خصوم الناصرية ضده سواء الإخوان المُسلمين ومعهم السلفيين أو حتى فلول مبارك.
وقد كشفت تلك المناظرات الانتخابية التلفزيونية عن سريرة عمرو موسى وفضحت توجهاته, ففي المناظرة التلفزيونية التي جمعت بين المرشح الإخواني عبد المنعم أبو الفتوح وبين عمرو موسى, حيث اتضح أن موسى مازال يفكر بعقلية الحزب الوطني المباركي, فاعتبر اسرائيل ليس عدواً وإن كانت تمارس سياسات عدوانية ويجب التواصل معها لأن معاهدة السلام سارية معها.
إذن لأول مرة في منطقتنا العربية نجد انتخابات مصرية حقيقية فيها تنافس شديد وحماس, ولا يستطيع أحد أن يحسم أو يُقرر من هو الرئيس القادم, وتلك المُمارسة تحسب للمصريين الذين بدؤوا في انضاج تجربتهم الانتخابية الديمُقراطية.
علماً أن الرئاسة المصرية القادمة لن تكون سهلة أو بسيطة ولن تكون بمثابة أشهر من العسل على المرشح للرئاسة كما يتوقع البعض, بل سيتحمل الرئيس القادم إرث ثقيل جداً وسيحمل تركة من الفساد المالي والإداري والأمني والمحسوبية والرشاوي والظلم وتجاوز القانون, كلها من مخلفات أنور السادات وأكمل عليها الطاغية مبارك.
ومهما تكن نتيجة الانتخابات الرئاسية المصرية وبغض النظر عن سيفوز فيها, فإنها ستكون تجربة فريدة من نوعها في عالمنا العربي, والمهم عندي أنا شخصياً أن المارد المصري قد خرج من قمقمه, والويل ثم الويل لكم أيها الخونة والأذناب من غضبة مصر الجديدة.
فإن ارتفعت مصر رفعتنا معها نحو المعالي وإن هوت وسقطت لا سامح الله سقطنا معها. اللهم وفق وأنصر أشقائنا في مصر وولي عليهم خيارهم وأخزي وأدحر شرارهم.
اللهم آميــــــــن.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2012-05-11