الجمعة، 23 يونيو 2017

عراب الإرهاب محمد بن نايف إلى مزبلة التاريخ


رغم خدماته الجليلة لأمريكا ورغم حيازته ميدالية جورج تينت لم يشفع له كل ذلك وتم ركله

من قبل لنفسه أن يجلس على مقعد عمه المركول مقرن عليه أن يتقبل الركلة المتوقعة بروح رياضية

أوهمه عقله الصغير أنه سيصبح الملك القادم للمزرعة السعودية فتحطمت كل آماله في العشر الأواخر

لا يوجد إنسان سوي يحزن أو يتأثر على خلع أو إزاحة جلاد دموي كمحمد بن نايف مهما كانت ظروف إزاحته غير عادلة, طبعاً باستثناء أيتامه ممن أصبح قدوتهم في الظلم والبطش وبعض المأبونين ممن أصيبوا بمتلازمة ستوكهولم أي عشق الضحية للجلاد, وهؤلاء يجب أن نتعامل معهم كمرضى نفسيين بحاجة لعلاج عاجل وليس كأشخاص أسوياء يتباكون على مجرم سيكوباتي كعميل الـ CIA محمد بن نايف الذي سامهم سوء العذاب.
فكم من أم حرمها هذا المجرم وأبيه من قبله من رؤية فلذة كبدها كما حال أم الدكتور سعود الهاشمي, التي توفيت وهي تئن وتتمنى رؤية ولدها التي أُعتقل ظلماً وعدواناً وغُيب في غياهب سجون نايف وولده الجلاد محمد, وكم من طفل وطفلة كبروا دون أن يروا آبائهم لأنهم مغيبون في سجون ذلك المدمن محمد بن نايف, وكم من شيخ جليل ومصلح فاضل رمى بهم محمد بن نايف في "منتجع" الحائر الرهيب, وكم وكم من جرائم ارتكبها ومظالم ارتكبها هذا المركول محمد بن نايف.
 
ولا شك أن سلمان بن عبد العزيز قد استخدم محمد بن نايف كقفاز مرحلي لتمهيد الطريق أمام ولده الطامح محمد بن سلمان ثم تم التخلص منه بعد أن انتهت مهمته كبديل لمقرن, فحينما تم إزاحة مقرن من منصب ولاية العهد جيء بتمثال الشمع هذا محمد بن نايف ليلعب دور المغفل الاحتياط ويحل محل عمه المنكوب مقرن مؤقتاً حتى يتم ترتيب الأوضاع الداخلية, وشخصياً أرى أن الليكودي سلمان رغم خبثه فقد أخطأ سياسياً حينما نزع من محمد بن نايف كل مناصبه وجعله كالوقف المهجور.
لقد بإمكان سلمان أن يزيح محمد بن نايف من منصب ولاية العهد ويتركه في وزارة الداخلية ليستفيد من هوسه البوليسي ويمارس ولعه في التعذيب والترهيب والتغيب لا أن يتخلص منه نهائياً, لكن من هو في وضع سلمان سوف يرتاب في محمد بن نايف ويرى أن من الحكمة التخلص منه وعزله نهائياً كي لا ينتهز الفرصة وينقلب على ولده مُستقبلاً.
فأنا أجزم أن محمد بن نايف سوف لن يشكل أي خطر على محمد بن سلمان لأن شخصية بوليسية مُنعزلة كشخصية محمد بن نايف تعشق السلطة الأمنية وتجد نفسها بين أروقة الملفات ودهاليز المعتقلات السرية وتنتعش حين تسمع صراخ الأبرياء في أقبية السجون, خاصة وأن هذا المعتل محمد بن نايف مر في مرحلة مراهقته بحالات نفسية مرضية فانطوى على نفسه وتعاطى المخدرات ثم عولج لاحقاً من الإدمان بإشراف من أبيه نايف ليخرجه من حالة الإدمان والعزلة ثم يجلسه في مكتب فاره في وزارة الداخلية ليكون ذراعه الأيمن ويُمارس هواياته السيكوباتية ليتسلم من بعده وزارة البطش والتعذيب والتغييب.

محمد بن نايف وهو في بداية سن المراهقة.
لهذا فإن شخصية انعزالية تلصصية كشخصية محمد بن نايف سوف تفضل كرسي وزارة الداخلية على منصب ولاية العهد؛ وهو على استعداد تام للتنازل من تلقاء نفسه ويفسح الطريق أمام محمد بن سلمان مُقابل أن يُترك في منصبه بوزارة الداخلية ليُمارس سطوته وجبروته على الضعفاء والأحرار,  فشخصية محمد بن نايف تجد نفسها في دهاليز الأمن وقراءة تقارير المباحث والتلصص على أسرار الأمراء قبل أسرار الشعب, ويشعر بالزهو والانتعاش حينما يأتي يومياً إلى مكتبه ويجد عشرات المنكوبين والمكلومين ينتظرون فرصة اللقاء به والتوسل لكي يسمح لهم بزيارة سجين أو طلب إعانة لأسرة مُعتقل أو التوسط من أجل الإفراج عن موقوف.
لهذا حرمان محمد بن نايف من هذا الدور الأمني الباطش سوف يؤدي به إما إلى الانطواء والجنون أو إلى الانتحار, فلا يُمكن أن يتصور محمد بن نايف نفسه مُهمشاً ومعزولاً عن دوائر الأمن؛ وهو الذي استخدم كل وسائل وألاعيب الإرهاب لكي يُثبت للأمريكا ولأسرته بأنهُ صمام الأمن والأمان بالنسبة لآل سعود وللأمريكان.

صورة محمد بن نايف حينما أصبح مدمناً على المخدرات.
ولا أستعبد أن يقوم محمد بن نايف من خلال أذرعته الأمنية في وزارة الداخلية (من ضباط الأمن الموالين له) بالتحضير لعمليات إرهابية مزعومة داخل المزرعة السعودية لكي يثبت لأمريكا أنه الشخص الوحيد القادر على لجم الإرهابيين وحماية المصالح الأمريكية, فمحمد وأبيه المقبور من قبله نايف هم خريجي مدرسة وزير الداخلية المصري السابق زكي بدر الذي عمل مُستشاراً في وزارة الداخلية السعودية.
وزكي بدر هذا هو مؤسس مدرسة القمع والتنكيل وصاحب عمليات التفجير المُفتعلة في الأماكن المدنية واستحضار بعبع الإرهاب لفرض الأحكام العرفية واعتقال المُعارضين, ومازالت مدرسة زكي بدر مُنتعشة في حكومة السيسي وداخلية محمد بن نايف, لهذا لا استبعد أن يقوم أتباع محمد بن نايف الموالون له بعمل فرقعات "إرهابية" هنا وهناك لجلب أنظار أمريكا وتشكيل ضغط على سلمان لإعادة هذا السيكوباتي إلى وزارة الداخلية.
فلا يمكن أن يعيش محمد بن نايف بعيداً عن مبنى وزارة الداخلية ولا يتخيل نفسه بدون تقارير أمنية صباحية تنقل ما يجري في الداخل وتنسخ له تصريحات وتغريدات من يراهم محمد بن نايف يغردون خارج السرب السعودي, كيف سيصحو محمد بن نايف ويجد نفسه في قصره دون وجود ضباط وقوات طوارئ يتراكضون من أمامه وخلفه وكأنه رجل الأمن الخارق الذي تستعين بخبراته واشنطن وتعتبره الكلب البوليسي الأمين!

ولم يشعر بمحمد بن نايف بالغبطة والسرور إلا حينما سلمه مدير المخابرات الأمريكية مايكل بومبيو ميدالية "جورج تينت" التي تُقدم من قِبل جهاز المخابرات المركزية الأمريكية إقراراً منهم بخدماته الجليلة للـ CIA, حينها كشر ابن نايف ولم تسعه الفرحة وكانت تلك المكافئة الأمريكية له أكثر أهمية من تعيينه ولياً للعهد, فهاهو العم سام يعترف بخدماته الجليلة ويُقر بوفائه لأمريكا ويمنحه ميدالية خاصة بعملاء السي آي أيه, فأي سعادة وأي حبور يشعر بها عميل الـ CIA الصغير محمد بن نايف.
لا أعرف كيف هو شعوره الآن وقد نال ميدالية تينت قبل شهرين, والرئيس الأمريكي دونالد قد احتفى به ايما احتفاء حين حضر للرياض لاستلام الجزية, وهاهم الأمريكان الآن يتخلون عنه ويتجاهلون خلعه من ولاية العهد ومن وزارة الداخلية, فأي خذلان أمريكي وأي نكران للجميل! أهكذا تعمل واشنطن كلابها البوليسية الوفية تباً لها لن تحفظ كرامة عميلها حتى ولو بالتدخل لدى سلمان والتوسط له بأن يبقى في منصبه القمعي في وزارة الداخلية, هكذا هي أمريكا جاحدة وعديمة الوفاء سرعانما تلفظ عملائها الصغار.
هل يستحق الكلب البوليسي السعودي كل هذا الجحود والنكران الأمريكي وهو الذي قارع الإرهاب في سبيل ماما أمريكا ونال ميدالية جورج تينت كأفضل عميل CIA أجنبي!؟

بالأمس كان جرو الداخلية يصول ويجول ويحيط به الحرس وقوات الطوارئ والأخويا من كل صوب, وهناك موكبين رسميين يومياً للتمويه حفاظاً على سلامته, واليوم قابع في قصره القصي حسيرا وهناك بعض الحرس على بوابة قصره ليس لحمايته بل لمُراقبته وتقييد حركته!
أي إنقلابة تلك وأي ذل وهوان طال ذلك الطويغيت الصغير بعد أن عتى وتجبر وظلم وظن أن ماما أمريكا هي من تعز وتذل وتمنح السيادة, فإذا به خاسئ مُهان ذليل فبات أضحوكة الخلق, فحتى الدواب كان تعلم أنه سيُركل قريباً من منصب ولاية العهد وما هي إلا مسألة وقت لا أكثر, وكان الجميع في موقع تويتر يتندر عليه ويعتبره مُجرد دُمية وضعت بديلاً لمقرن وسوف يتم ركله في الوقت المُناسب, بينما هو المُغفل أُصيب بالعته والعمى رغم كثرة دبابيسه مُعتقداً أنهُ سيعمر بمنصب ولاية العهد فغرد قائلاً أن محمد بن سلمان هو أخي وعضيدي!
فمن قبل لنفسه أن يجلس على كرسي عمه المدعوس مقرن فليتوقع أن الركلة القادمة ستكون من نصيبه, لكن البعض يلومه أكثر من مقرن لكونه يمتلك أكبر جهاز تجسس وتلصص في المزرعة السعودية, فكيف أدرك الناس البسطاء أنه سيُركل ويزاح من ولاية العهد, بينما هو بقي غافياً متأملاً أن يُصبح الملك القادم بعد سلمان !!

تكفيه تلك العقوبة الدنيوية بأن ركل شر ركلة على يد صبي تافه من عمر أبنائه, وتلك لعمري كانت أشد عليه من القتل, فطعنة الخازوق الملكي الذي تلقاه سيبقى خالداً في ذاكرته إلى أن ينفق, وتلك قطعاً حوب أولئك الأبرياء الذين زج بهم في سجونه ومُعتقلاته سيئة الصيت.
وأنا على ثقة أن محمد بن نايف لم يعمر طويلاً, فسوف تقتله حسرته وقهره وكيف تم خداعه وإيهامه بأنه سوف يصبح الملك القادم ثم فجأة صحى على وقع الخازوق السلماني.
ولا يُستبعد أن تكون الأزمة مع قطر كانت من أجل ترتيب البيت السلماني وخوفاً من تمرد محمد بن نايف وعدم انصياعه للأمر الواقع, وهناك احتمال أن يُقاوم مع قوات وزارة الداخلية ثم يتلقى الدعم من دولة قطر نكاية بابن سلمان, لهذا تم فرض قوانين أشبه بالعرفية بحق أبناء الشعب, منها تجريم من يتعاطف مع دولة قطر, والمزري أن الأحمق محمد بن نايف هو من كان يطبق تلك الفرامانات القرقوشية.
وبعد أن ضمن سلمان وولده أن قطر قد حُيدت تماماً وأن الشعب كُبل بقوانين قمعية نافذة تمنعهم من مُجرد إظهار مشاعر التعاطف مع الشعب القطري, بطشوا بجرو الداخلية وخلعوه بكل سهولة ويسر ولم ينبس أحد ببنت شفة, بل حتى قواته الأمنية من طوارئ ودبابيس وشرط الذين بلغ عددهم 500 ألف لم يعترض منهم ولا سلوقي واحد !

فأي درس أليم وأي صفعة تلقاها ذلك الطوغيت السعودي محمد بن نايف, الذي أصبح أمثولة وأضحوكة للخلق, هكذا تكون نهاية كل مجرم أثيم وقد خاب كل جبار عنيد.
فلم تنفعه ماما أمريكا ولم يتدخل سيده ترامب الذي اتضح أنهُ يُحابي محمد بن سلمان ويلهث خلف ملياراته, فصحيح محمد بن نايف هو كلب الحراسة الأمريكي في داخل المزرعة السعودية, لكن محمد بن سلمان هو خازن بيت المال وبيده أمر التصرف بتلك الترليونات المخزنة في الداخل والخارج, فقطعاً ستميل كفة الولد المُدلل على عراب الإرهاب.
من يدري ربما الأمريكان وجدوا أن غياب هذا الجلاد السعودي المؤجج للإرهاب بتصرفاته القمعية هو من مصلحة أمريكا وفي صالح مزرعة آل سعود, فقرروا أن يجعلوه كبش فداء للعهد السعودي الجديد, وربما سيحمل محمد بن سلمان هذا العراب كل المصائب التي حلت بالمزرعة, وسيقوم بإطلاق سراح بعض سجناء الرأي كنوع من تغيير السياسة والظهور بمظهر العهد الجديد بعيداً عن قمع نايف وولده محمد.

 أياً كانت الأسباب وأياً كانت الدوافع فإن غياب هذا الجلاد الدموي الذي اتخذ من شماعة الإرهاب شماعة لقمع الأبرياء والتسلط على رقاب الشعب وتشويه سمعة العرب والمُسلمين في الخارج, فهو أمر مفرح لكل الأحرار والشرفاء, وركل محمد بن نايف مناسبة سعيدة لأسر وأصدقاء المُعتقلين وإن كان المؤمل أن يُحاكم هذا المُجرد ويدفع ثمن جرائمه وبطشه بالأبرياء.
لكن عزائنا أن هذا المركول سوف يعيش في هوان وحسرة وألم دائم جراء ما حدث له, وسوف ينطوي على نفسه ويعتزل أفراد أسرته لأن لا وجه له بعد الآن أن يُقابل أقاربه وهو بهذا الحال المخذول الكسيف, بعد أن كان يخيفهم ويبتزهم من خلال التقارير الأمنية التي كانت تصله, وسيكون مصيره الموت المُحقق وإن لم يكن موتاً حقيقياً بل موت لكل ما هو جميل في هذه الدنيا ولن يشعر بطعم الحياة بعد الآن لأنهُ أفسد حياته بالظلم والطغيان وحرمان الآخرين من الحياة الكريمة.
فهنيئاً لكم يا أحرار الجزيرة بزوال هذا الجلاد الأحمق المركول.

السبت، 10 يونيو 2017

خصوم قطر حسموا أمرهم إما استلام وركوع تام أو لا سلام ولا كلام

بعد كلمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمس اتضح أنهُ المُحرك الرئيس لتلك الأزمة وزال الغموض الذي اعترى الجميع خلال الأيام الفائتة, وشخصياً كغيري استغربت تلك الجراءة السعودية - الإماراتية - البحرينية على اتخاذ هكذا قرار خطير دون الرجوع لأمريكا أو مُشاورة البيت الأبيض, لأن ترامب خدعنا بمصافحته الإعلامية مع تميم في الرياض؛ وبالمقابل تميم لم يفصح عما دار بينهما فأصابت الجميع الدهشة لهذا الانقلاب الخليجي المفاجئ وتلك الجرأة السعودية !!
 
بالرغم من أنني واثق تماماً بأن دجاجات الخليج لا يُمكن لها تكاكي إلا بأمر الديك الأمريكي, لكن قلت ربما استغل آل سعود فرصة الأزمة الأمريكية الداخلية ودفعهم للجزية إلى سيدهم ترامب فانتهزوا الفرصة وسارعوا بالغدر والايقاع بتميم مؤملين على صمت ترامب خاصة بعد أن منحوه المليارات وبهذا يكون شعارهم (اطعم الفم تستحي العين).

إلا أن ترامب بالأمس قد حسم ذلك الجدل وباح بالمكنون؛ وظهوره وتصريحه العدائي ضد قطر على ما أظن أنه جاء ليؤكد التهمة الموجهة لتميم خاصة بعد أن فشل وكلاؤه في المنطقة في تسويق فريتهم الإعلامية, فأراد أن يظهر هو في الصورة ويبعث برسالة تهديد ووعيد واضحة مفادها أن على تميم أن ينصاع وينفذ الشروط المفروضة عليه؛ وأن حِلف الرعيان هذا كان بأمر منه وليس باجتهادات شخصية منهم, وكي لا يؤمل تميم على الدعم الأمريكي ويعيش في حلم وردي لا وجود له على أرض الواقع.
 

وترامب يعلم أن حلف الرعيان الخليجي لن يستقطب أي دولة كبيرة أو ذات وزن والدليل هو التأييد الخجول من دويلات الخشاش كالمالديف وموشيوس وضيعة رنوش الأردنية؛ لكن في حال خرج رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وأعلن فرض عقوبات أمريكية على قطر في حال عدم انصياعها ستتقاطر خلفه كثير من الدول الأوروبية كبريطانيا وفرنسا وهولندا والدانمرك وبولندة و... الخ, ربما باستثناء ألمانيا المتحفظة أصلاً على وجود ترامب على سدة الرئاسة الأمريكية.
ما أعنيه حينما فشل الأزلام خرج سيدهم يلوح بالعصا الأمريكية الغليظة وهو وضع قطر في موقف حرج جداً, خاصة وأنها كانت تعول على عدم الرضا الأمريكي عما حصل ويحصل ولكن خرج المعزب أبو ايفانكا وهو يُعربد أصاب القطريين بالذهول والصدمة أيضاً.


ولهذا حينما ذكرت في مقالي السابق أن الدبلوماسية القطرية أُصيبت بشلل تام منذ أن غادرها حمد بن جاسم, ليس مدحاً لأن ابن جاسم يمتلك قدرات خارقة ولم أكن أعني التقليل من شأن وزير الخارجية الحالي - محمد بن عبد الرحمن آل ثاني -  بل لأن هناك شخصيات تحسن الكيد ولديها موهبة وفن في التعامل مع الخبثاء ولدينا مثل في المغيرة بن شعبة الذي كان أشبه بناصب الفخاخ.
ولا ننس أن هناك علاقات شخصية ودبلوماسية كبيرة تم تكوينها خلال فترة حمد بن جاسم وهناك تراكم خبرات ومعلومات أيضاً, كما أن الخمول والعجز الذي أصاب الوزارة لم يحدث الآن بل منذ أن تولى خالد العطية الوزارة وفسح المجال لسعود فيصل أن يُقرر بالنيابة عن دولة قطر وهو مُجرد خوي مرافق له, وبعدها جاء عادل الجبير فأصبح محمد بن عبد الرحمن ساعي بريد لديه.
ثم بالله كيف ستنجح قطر أو قناتها الموجهة الجزيرة بالتنديد في قضية الحصار الاقتصادي السعودي المفروض عليها في حال استمراره, وهي لم تنبس ببنت شفة وتدين الحصار السعودي الظالم على الشعب اليمني المغلوب على أمره ؟


بل كيف للمرء أن يُدافع أو يتعاطف مع نظام تميم وهو قد كسر الاعتبارات الإنسانية ومبادئ الشرف وسلم ناشط حقوقي "سعودي" - محمد العتيبي - إلى نظام آل سعود القمعي بكل برود وصفاقة ولم يراع ذمة ولا خوف لا من الله ولا ومن البشر ثم يسمي دولته بـ"كعبة المضيوم"!
ثم بالله عليكم كيف ستُقنع حكومة قطر الآن الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان في العالم بأن خصومها - النظام السعودي والنظام الإماراتي ومعهم النظام البحرين يخرقون القوانين الدولية ويتجاوزون على حقوق الإنسان بحق المواطنين القطريين, والمندوب القطري في منظمة حقوق الإنسان قبل أشهر قليلة انبرى بنفسه في الدفاع عن النظام السعودي؛ وبدأ يُكذب ويُفند تقارير المنظمات الحقوقية عن تجاوزات النظام السعودي بحق المواطنين في بلاد الحرمين والتعديات على المساجين !؟
هل هذه سياسة قطرية رشيدة أم تياسة وحماقة قطرية بامتياز ؟
أعرف أعرف .. سيأتي بعض الأبواق وسيُبررون بأن هذه هي أخلاق الحكومة القطرية وتلك هي شمائل آل ثاني وهم لا يردون الإساءة بمثلها و... الخ؛ وأقول لهم كذبتم وأفكتم فلم تكن السياسية القطرية يوماً من الأيام جمعية خيرية أو الأم تريزا الحانية, ورئاسة حمد بن جاسم لوزارة الخارجية لعقود طويلة تفند بذلك.


ثم نأتي على قانون "جاستا" الذي اتهم السعودية بالإرهاب وسمح لأسر ضحايا 11 سبتمبر بمُقاضاة النظام السعودي طلباً للتعويضات, وكيف انبرى أيضاً وزير خارجية قطر للدفاع عن النظام السعودي, علماً أن حلفائهم المقربين ورفاق التآمر سواء كان آل نهيان أو نظام السيسي تجاهلوا الأمر لكي لا يُعرّضوا مصلحتهم للخطر من أجل هذا القانون الأمريكي الابتزازي, والآن ها قد تم اتهام قطر بدعم وتمويل الإرهاب بتحريض وتأليب سعودي صريح.
فالآن حتى لو تجرأ آل ثاني وقرروا مُعاملة آل سعود بالمثل رداً لكيدهم واتهموهم بنفس التهمة؛ سيقول لهم الأمريكان أنتم قوم موتورين فقط وتحاولون رمي بلائكم على جيرانكم, والدليل ها هو وزير خارجيتكم قد استمات في الدفاع عن النظام السعودي قبل أشهر معدودة وموقفكم كان ضد قانون جاستا فما الذي تغير الآن وبدأتم تتهمون حبيب الأمس!؟
لقد استفاد آل سعود كثيراً من عهد تميم واستغلوا وزارة خارجيته أبشع استغلال في تمرير كثير من القرارات في الأمم المتحدة وفي واشنطن, وتحول وزير الخارجية القطري إلى سكرتير أو محام بالمجان يترافع عن فظائع وجرائم آل سعود, بعد أن تم سعودة وزارة الخارجية القطرية وإبطال مفعولها وبعد أن نوّموها ثم ضربوا ضربتهم القاضية, فجاء الآن تميم يُريد إيقاظ وزارته الغافية فإذا هي خائرة منزوعة المخالب وفارغة المحتوى ولا تستطيع فعل شيء لأن مكانها كان شاغراً لفترة طويلة, والطبخات كانت تمرر بينما السفير القطري في واشنطن في سبات عميق.
هل عرفتم الآن ما أعنيه حينما أن أقول أن تميم بسبب اندفاعه غير المحسوب نحو آل سعود وقلة خبرته حول وزارة الخارجية القطرية العتيدة التي كانت تحرك البيت الأبيض وقصر الإليزيه و10 دواننغ ستريت إلى بقالة سعودية صغيرة في حي عليشة في الرياض.
الأنكى من ذلك أن تميم لحد الآن مازال يعيش في حالة العشق السعودي, ومازال يأمل الحكمة والعفو من الملك سلمان كما عفى وصفح عنه عبد الله! سبحان الله حالة مازوخية مزمنة.
ويبدو أنهُ محاط بفريق هوائي مثله مغرمون بآل سعود أو على الأقل هم يدندنون حوله عن حكمة وأبوة سلمان؛ بينما سيوف آل سعود الغادرة مشرعة وفي شوق لتتخضب بدمائهم !
فما هو الحاصل بالضبط ؟
يبدو والله أعلم أن الحالة "المُرسية" قد أصابت تميم منذ توليه الحكم, ولا يُستبعد أن يكون هذا الداء قد انتشر في مصر ثم تسلل منها ووصل إلى قطر؛ وأن محمد مرسي هو أيضاً ضحية لذلك الوباء الغرامي.
وقد سار تميم على نفس خطى محمد مرسي بعد أن تم انتخابه ووصل إلى سدة الرئاسة في مصر, حيث أُصيب مُرسي حينها بالعمى السياسي والخدر الذهني وبدأت تظهر من وجهه ايقونات قلوب حمراء كلما جاء ذكر آل سعود أمامه؛ أُصيب بحالة من الخنوع والتذلل غير طبيعية!
وحينما كان الجميع يصرخ ويحذر من الغدر السعودي كان مرسي ومعه الإخوان يهونون من الأمر, ثم ذهب مرسي صاغراً إلى الرياض يُبدي الطاعة والولاء للغادر عبد الله بن عبد العزيز؛ رغم أن وسائل الإعلام السعودية لم تبق ولم تذر قدحاً وذماً فيه وفي أمانته وفي جماعته, مع هذا كان مُرسي صريع الغرام السعودي فشد رحاله إلى آل سعود يطلب ودهم حتى تم خلعه وقدم كقربان على مذبح انقلاب العسكر الممولين سعودياً, تلك كانت الحالة المرسية المُستعصية.


وتميم مر بنفس الأعراض الغرامية تلك وظهرت عليه علامات ذلك الفايروس العشقي, حيث ما أن يتم ذكر آل سعود أمام تميم حتى تبدأ ايقونات القلوب الحمراء تظهر على محياه ويبدأ بالإشادة بحكمة وحنو سلمان؛ وكأنه مسحور!
قوم يشحذون سكاكينهم لنحره وتجويع شعبه وهو يذوب عشقاً وولهاً فيهم, فهل تلومون آل سعود إذا ما تمادوا وقرروا نحره.
صحيح أن والده وحتى حمد بن جاسم كانوا يبتسمون ويضحكون الضحكات العريضة مع آل سعود, لكنهم لم يغفلوا عن خبثهم قط وقد جهزوا لهم مئات الخوازيق المميتة في حال لعب المراخنة بذيولهم, لهذا ردعوهم بنجاح طوال تلك السنين وجعلوا سلطان بن عبد العزيز حينها يأتي صاغراً إلى الدوحة لكي يطلب رضاهم.
فآل سعود باتوا يعرفون نقاط ضعف تميم بينما لا يعرف هو نقاط ضعفهم ولهذا الغلبة ستكون لهم, وأول تلك النقاط؛ تهالكه نحوهم واستماتته في كسب ودهم ورضاهم بينما كان العكس يحدث في عهد أبيه, وللآن هو ينتظر إشارة واحدة من الرياض لكي يشد رحاله لقصر سلمان لكي يخر خاضعاً بين يديه.
لكن الأمور قد تطورت وخرجت من يدي سلمان ومن معه وأصبحت الشروط الواجب تنفيذها بيد ترامب؛ فإن كان سلمان يُستطيع أن يُرتب الوضع باعتذار ووعود وعهود من قِبل تميم ويغلق الملف, الآن الأمر تحول املاءات أمريكية ربما تتطلب حزمة مليارات تعادل من تم حلبه من ضرع البقرة السعودية.


هل يستطيع تميم أن يرفض الاملاءات الأمريكية ويتحدى الحلفي الخليجي المضاد له؟
الأمر صعب ومُعقد لكنه مُمكن وغير مُستحيل, إلا أنهُ يحتاج لجهود مضنية وخلية أزمة مُحترفة وقرارات مؤلمة وجريئة ساعتها يمكن لتميم أن يُرغم ترامب على التراجع دون أن يدفع بنس واحد.
لكنه مازال يتخبط ويُراهن على حكمة سلمان, فقد حاول أن يجعل الشيخ صباح واسطة خير وجسر محبة مع اللإخوة الأعداء لكنه فشل بسبب عدم خبرته أيضاً, رغم يقني أنهُ لو أشعل أصابعه شمعاً للمراخنة لن يرضو عنه, لكنهُ منحهم الذريعة للتصلب أمام صباح الأحمد وأدان نفسه.
فهم من جهة أبدى رغبته بالتحاور والتفاهم وتطبيق ما يقدر عليه من شروط, وأثناء تلك المفاوضات جلب يوسف القرضاوي لقصره على عربة وقام بتقبيل رأسه !
هو من جهة يُحاول إطفاء نار غضب آل سعود ويرمي بكل البلاء والكيد على كاهل آل نهيان, وبنفس الوقت أرسل رسالة مثيرة للناقمين عليه بالقول أنه سيبقى سائراً في سياسته ولن يتخلى عن القرضاوي لأنه بالنسبة إليه رجل مقدس لا يمكن طرده.


فأثار على نفسه جميع أعشاش الدبابير في الرياض وأبوظبي والمنامة والقاهرة وعمان وحتى الكويت, لأن تنظيم الإخوان أصبح مكروهاً من جميع الأنظمة وبات بمثابة الخرقاء الحمراء بالنسبة للثيران الهائجة, الكل يتطير من هذا التنظيم الانتهازي, فأخطأ مرة أخرى دون أن يقصد بسبب قلة خبرته السياسية.
وإذا كان ثمن استمرار حكمه ورخاء شعبه وإعادة الاستقرار إلى بلده هو رحيل القرضاوي من قطر؟ فليذهب إلى الجحيم.
مليوني مواطن قطري مُقابل القرضاوي وشلته حتى وإن كان عددهم 10,000, فإن مصلحة الشعب مُقدمة على مصلحة التنظيمات.
ثم ما الذي استفادته قطر أو الشعب القطري من الإخوان المسلمين ؟
تنظيم انتهازي وصولي خائر خائب لم يستطع أن ينفع نفسه على مدى 100 عام, فهل سينفع تميم أو القطريين ؟
ويُمكن فصل قضية دعم حماس كحركة فلسطينية مُقاومة للاحتلال عن قضية التخلي عن تنظيم الإخوان وطرد القرضاوي من قطر, وأنا أجزم أنهم سوف يوافقون على هذا الشرط لأنهم عدائهم مع الإخوان كتنظيم وخاصة آل نهيان.
أما النتائج السلبية والخسائر المالية المتوقعة في حال عدم قبول تميم التخلي عن تنظيم الإخوان؟
آل سعود أخبث من الربا وقد أعدوا العدة منذ وقت طويل وحسبوا كل النتائج وحصروا الخسائر التي ستتكبدها قطر, وهم الآن يُراهنون على النزيف المالي والاقتصادي القطري مع مرور الأيام, وحتى إن لاحت في الأفق بارقة للصلح فسوف يمطمطون وينتظرون لعدة أشهر حتى تخسر قطر مليارات الدولارات نتيجة الحصار حينها يشعرون بالراحة لأنهم استطاعوا أن يجعلوا قطر تخسر مليارات كما هم خسروها لصالح ترامب.
كيف ستتم تلك الخسائر المالية, وهل من المعقول أن قطر سوف تتكبد المليارات بسبب حصار بري وجوي بسيط ؟
الجواب: نعم معقول جداً؛ فقطر مخنوقة جغرافياً والمعبر السعودي هو رئتها الوحيدة, وللأسف فإنها ربطت مصيرها ومصير اقتصادها بتلك الرئة السعودية, ولهذا باستطاعة آل سعود خنق الاقتصاد القطري بكل يسر إلا في حال قامت قطر مُستقبلاً بإقامة نفق بحري تحت الخليج يصلها بالبر الإيراني كما كان الأمير السابق يُفكر.
لكن هذا المشروع مُكلف جداً مع أنه سيعوض خسائره في حال تم مد أنبوب غاز عبر إيران ثم تركيا ليصل إلى أوروبا, لكن المعضلة الأخرى أن إيران عدائية ومكروهة من قبل العرب على الضفة الأخرى, ومما زاد الطين بلة أطماعها وجرائمها الحربية التي مارستها في العراق وبلاد الشام, وهذا هو العائق الأخلاقي الكبير الذي يقف أمام القطريين ويمنعهم من تنفيذ هذا المشروع الحيوي, لكن قد تتم هذه الصفقة برعاية وتعهد وإشراف تركي.
فالأتراك أصبحوا محور أساسي في تلك الأزمة, حيث استطاع آل سعود بغبائهم أن يُعيدوا الأتراك إلى سواحل الأحساء بعد مرور 100 عام من انسحاب الجيش العثماني مُضطراً على وقع قنابل الإنجليز.
لكن الأتراك أصبحوا بعيدين جرافياً, ولكن ربما ينفذون هذا المشروع البحري العملاق بشراكة مع القطريين والإيرانيين حينها يصبح الغاز القطري في قلب أوروبا, لكن هل سيقبل الإيرانيين أن ينافسهم الغاز القطري ؟


فحتى وإن عادت العلاقات الآن مع السعودية فلن يقف القطريين مكتوفي الأيدي, ففرضية اندلاع أزمة جديدة مع السعودية واردة في أي وقت, خاصة أن قرار تجويع الشعب القطري الأخير قد شكل صفعة قاسية للحكومة القطرية ولا بد أن تبحث لها عن بدائل للمستقبل.
ولهذا فإن الأزمة الاقتصادية الحالية في قطر مُعقدة جداً ولها تداعيات خطيرة وليست كما يظن البعض أنها مسألة كراتين بيض وألبان المراعي, فكل السلع التي كانت تستوردها قطر من السعودية سوف تتضاعف أسعارها بسبب تكلفة الشحن, وهذا سوف يكلف الدولة القطرية أموالاً مُضاعفة وسيكون بمثابة نزيف يومي, ناهيك أن قطر تعمل على قدم وساق في بناء ملاعب كرة قدم والبنية التحتية والفنادق وكل المواد الأولية من حديد واسمنت تستورده من السعودية وبأسعار مُناسبة جداً, الآن سوف تتضاعف مواد البناء والأعمار ثلاث مرات, أولاً بسبب تكلفة الشحن وثانياً بسبب زيادة الطلب وشح المواد في الأسواق, ثم عليها أن تبحث عن أسواق مُناسبة وقريبة بعض الشيء لقطر, فعُمان مثلاً تُنتج الاسمنت والحديد ولكن هل لديها طاقة انتاجية كافية للتصدير؟ لا أعرف بالضبط.
إذن آل سعود سعيدين جداً لأنهم سوف يعرقلون عمليات البناء وإعداد الملاعب الخاصة بمونديال 2022م, وهذا أيضاً سيدفع قطر لدفع المزيد من الأموال من عدم توقف عجلة البناء, هناك أيضاً مئات الشركات السعودية العاملة في قطر, وكل تلك الشركات سوف تُغادر مُجبرة السوق القطرية وهذا ما سيؤدي إلى قلة في الأيدي العاملة وتوقف عدة مشاريع وتأثر كبير في سوق الأسهم وزيادة في انهيار العُملة القطرية.
لهذا آل سعود غير مستعجلين في حل الأزمة بل يُريدون إطالتها حتى لو قررت أمريكا حلها, وهم مرتاحون لهذا النزيف الذي لا يدركه سوى الحكومة القطرية, لأنهم يرغبون في رؤية المزيد من النزيف المالي القطري ليشعروا بالسعادة أكثر وهم يرون أموال قطر تتبخر كما تبخرت أموالهم.


إذن على تميم أن يجهز نفسه لقطيعة وربما عداء مع الولايات المتحدة الأمريكية إذا أراد حل ناجع وناجز, وعليه من الآن أن يفاوضهم بجزم وجدية من جديد على شروط وجود قاعدة العديد, فوجودها كان الغرض منه حماية النظام من أي اعتداء سعودي مُحتمل, الآن رئيس تلك الدولة صاحبة الجنود في تلك القاعدة يتآمر ببجاحة مع آل سعود للتخلص من النظام القطري.
فإن لم يتوقف ترامب ويرتدع ويكف كلابه في المنطقة, فالأحرى أن تُغادر قواته بسرعة قاعدة العديد في قطر ويحل بدلاً منهم جنود أتراك مُسلمين يقودهم رئيس عاقل وحريص على استقرار وأمان قطر, على الأقل يتخلص تميم من هاجس تأنيب الضمير ودعاء أهالي الضحايا الذين تقصفهم يومياً الطائرات الأمريكية في العراق والشام, المُنطلقة من قاعدة العديد القطرية.

الأحد، 4 يونيو 2017

ليلة القصف الإعلامي على تميم

ما الذي حدث خلال زيارة دونالد ترامب إلى الرياض لينقلب آل سعود فجأة على ربيبهم تميم ؟
آل سعود أدركوا أن هنالك فرقاً شاسعاً بين عهد الأب حمد وبين عهد الابن تميم لهذا استهدفوه
الإخوان المسلمون هم عقدة المنشار وبزوالهم ستزول كل المشاكل والمناكفات بين دول الخليج
الخاسر الأكبر في تلك المواجهة هي قناة الجزيرة؛ فقد اكتشف جمهورها أنها تُعاني من الخنث الإعلامي
ربما من حسن حظ القارئ أنني لا أميل إلى أي الفريقين المُتصارعين وأعني فريق آل سعود من جهة؛ وفريق آل ثاني من الجهة الأخرى, ولهذا سيجد القارئ الكريم في طرحي نوعاً ما الشيء الجديد أو على الأقل أنني لا أُحابي طرف على حساب طرف آخر ولا توجد لدي خطوط حمراء ولا برتقالية ولا أتلقى تعليمات من أحد لأني أقدح من رأسي وغيري يقدح باسم الريال أو بدافع الايدولوجية ونصرةً للجماعة, ولهذا أزعم أن كثير من القراء ولا أقول كلهم سوف يقبلون رأيي وإن اختلفوا معي لأنهم سيجدون في ظل تلك المعمعة والارتزاق من يكتب دون تحيز أو املاء أو مصلحة خاصة وهذا يكفيني.
وفي البداية يجب أن أعتذر من القارئ الملول لأنني سوف أطيل في المقال كما هي عادتي, وهذا الأمر هو عيب منهجي أعاني منه ربما بسبب تخصصي في التاريخ فلا أُحسن الاختصار ولا أُحبذ الابتسار في كتابة المقالات, وعزائي أنني مُقل في الكتابة وهذا ما يشفع لي لدى القارئ الكريم.
سوف بدأ أولاً مع آل ثاني وأناقش سبب تنازل الأب حمد لولده تميم؛ وهل أفلح الابن بأن يكون رباناً صالحاً لسفينة صغيرة في وسط محيط هائج وأن يستقر بها رغم الموج المتلاطم بعد أن تسلم الدفة من الأب؟
أولاً: للآن لا توجد معلومات دقيقة وصحيحة عن سبب تخلي الأب حمد لابنه الأصغر تميم عن الإمارة أو المشيخة, رغم مرور 4 سنوات على تولي الأخير الحكم في قطر.
وقد تضاربت الأخبار عن سبب التنازل وطبعاً لا يوجد من بين تلك الأسباب الانقلاب أو التخلي القسري كما ادعى البعض كنوع من النكاية, لأن الحقيقة أن الأب حمد هو من تنازل طوعاً عن الحكم لولده تميم, ولكن السبب وراء ذلك التنازل سيبقى مجهولاً إلى حين.
من ضمن الروايات التي راجت حينها: أن الأمير يُعاني من مرض عضال وهو ينتظر منيته وقد بدا عليه تداعيات ذلك المرض الخطير فآثر أن يتنازل بسرعة لولده لكي لا يحدث خلاف وتصارع على الإمارة في حال وفاته المُفاجئة.
وذلك الادعاء أثبتت الأيام بطلانه ومازال الأمير السابق حمد بن خليفة حي يُرزق وبكامل صحته وقواه العقلية, وأما ما ظهر عليه حينها من هزال وضعف؛ فكان بسبب الرجيم القاسي الذي اتبعه طوعاً في محاولة للقضاء على السمنة المُفرطة التي يُعاني منها.
إذن تلك الحجة بطلت؛ وأما الإدعاء الآخر فقد كان سخيفاً كما بيّنت حيث زعم خصومه بأنه تعرض لضغوط من قبل زوجته وولده لكي يتنازل له عن الحكم, وتلك كانت إشاعة هزيلة روجها الإعلام السوري ولم تصمد أمام المُتابعين الرصينين.
أما الإدعاء الأكثر حصافة؛ فهو الزعم بأن الولايات المتحدة الأمريكية تدخلت بقوة حين بدأت الثورات العربية تُجهض بجهود سعودية إماراتية وبتأييد أمريكي خفي, ولهذا فقد نصح الأمريكان الشيخ حمد بأن يتنازل لولده لكي تستقر المنطقة ويُغلق ملف الثورات ويهدأ غضب آل سعود الذين يشعرون بالنقمة على دور قطر في إشعال فتيل تلك الثورات ويحاولون الانتقام من الأمير حمد, خصوصاً بعد التسريبات الصوتية له ولحمد بن جاسم مع معمر القذافي.
وهذا الادعاء وإن كان بدون أي وثائق فهو أكثر واقعية وقابل للتصديق, لأن حمد قد تنازل لولده وأخذ معه ابن عمه المحرك للسياسة القطرية حمد بن جاسم, أي أراد أن يبدأ ولده عهداً جديداً بعيداً عن عهده (البائد) إذا صح لنا أن نُسميه بالعهد البائد.
إذن كان انسحاب الأب من السلطة اضطرارياً مبنياً على مخاوف من حلف سعودي - إماراتي - بحريني لأزالة حكم آل ثاني من الوجود سواء بانقلاب عسكري عبر بعض الضباط القطريين الموالين للسعودية أو حتى عن طريق تدخل عسكري خاطف من قبل النظام السعودي.
وهذا الأمر سيبقى مُجرد توقع, وإن بررت بعض وسائل الإعلام الموالية لقطر بأن تنازل الأب للابن جاء وفق رغبة وقرار قديم يُراود الأب حمد بنقل دفة القيادة إلى جيل الشباب الجديد, وقد واتته الفرصة بعد الثورات العربية فزهد بالحكم وتنازل لولده تميم.
لكن يبقى السؤال الأهم وهو: هل كان اختيار حمد لولده تميم للحكم مُناسباً؟ وهل نجح تميم في الخروج من تلك الأزمات سالماً بعد أن غير جميع سياسات الأب؟
أو بالأحرى يكون السؤال معكوساً: هل كانت سياسات الأب حمد خاطئة لكي يُصححها الابن تميم؟
فكلنا يذكر بعد مرور عام تقريباً على ولاية تميم, أي في 05\03\2014م حصلت أزمة دبلوماسية كبيرة بين قطر والسعودية والإمارات والبحرين, مما حدا بهؤلاء إلى سحب سفرائهم من الدوحة؛ وقد تأزمت الأمور بين آل سعود تحديداً وبين تميم, وكان الخطوة السعودية التالية تقضي بإغلاق الحدود البرية مع قطر ومنع تحليق الطائرات المدنية القطرية في الأجواء السعودية.
فسارع تميم حينها إلى أمير الكويت صباح الأحمد طالباً منه الفزعة وأن يقوم بدور الوسيط مع آل سعود, وأنهُ مُستعد لتنفيذ طلباتهم وعدم اغضابهم أو إثارة حفيظتهم لا في قناة الجزيرة ولا في أي منبر له علاقة في قطر.
كان عبد الله حينها في الرمق الأخير, أي في حالة مرضية مُزرية ويبدو أنه لم يرغب برد صباح الأحمد الذي قدم إلى الرياض بطائرته الخاصة ومعه تميم على نفس الطائرة, حينها قام عبد الله بتقريع تميم وكأنه طفل صغير أساء التصرف مع الكبار, واستمع تميم لتلك المحاضرة التقريعية من قِبل عبد الله وكله آذان صاغية, وبعدها لفلفت تلك الأزمة المُفتعلة وعادت المياه إلى مجاريها, ليس هذا فحسب بل تحول تميم تابع مُطيع لآل سعود يطبل لهم في قناة الجزيرة حتى تحولت إلى قناة سعودية رسمية, بل إن قناة العربية السعودية باتت تخجل من نفاق وتزلف قناة الجزيرة لآل سعود.
فقام تميم في عملية اخصاء عاجلة لقناة الجزيرة, وقام بفتح قناة العربي في لندن لعزمي بشارة, لأن آل سعود كانوا مُنزعجين جداً من وجود بشارة في الدوحة خاصة بعد ظهوره في الحلقة المعروفة مع علي الظفيري وتحدثوا بكلام خاص ظانين أنهم خارج البث المباشر.
كما تم فتح قنوات فضائية خاصة للإخوان المصريين ولم يعودوا يظهروا على قناة الجزيرة, وبدأ البعض منهم يجد في تركيا ملاذاً آمناً أكثر من قطر, وبهذا هدأت فورة آل سعود لكنها لم تنتهي.
رأى البعض من آل سعود أن الملك عبد الله قد تسرع بقبول وساطة صباح الأحمد, وكان بإمكانه الضغط أكثر على تميم وتعريته بالكامل ومن ثم توقيعه على شروط قاسية قبل عودته للحظن السعودي, لكنهم بلعوا ذلك الصلح المؤقت على مضض بسبب الحالة المرضية لعبد الله ولم يرغبوا في إزعاجه أو تكدير صحته وقبلوا بعودة تميم مُقابل ذلك التقريع الذي تلقاه من عبد الله.
وبقي موقف تميم السابق الذي ورثه من أبيه غصة في حلق سلمان وولده وفريقه الجديد وأرادوا أن يجرعوه السم الزعاف انتقاماً من أبيه, لكن تميم أخجلهم بخضوعه وخنوعه وانصياعه الكامل وتملقه لهم وتحويله قناة الجزيرة لبوق سعودي, بل أرسل قوات تشارك في اعتدائهم على اليمن بحجة مُحاربة إيران في عدن وتعز, بينما الحرب على ملالي طهران لا تحتاج إلى مشوار طويل وقتل وتجويع أطفال ونساء اليمن, بل جزر الإمارات تبعد بضعة كيلومترات فقط والحزم المزعوم سيكون في طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى وليس في قلب صنعاء.
لقد كان هذا الأمير الجديد تميم عكس أبيه تماماً في كل شيء؛ فهو يُريد أن يبدأ عهد جديد مُسالم خاص به ينصاع وراء آل سعود وبنفس الوقت هو غير قادر على التخلص من عهد أبيه المُستقل المُصادم, لهذا فقد أخطأ الأب باختياره ليكون خلفاً له, بل ربما سيكون هذا الخيار من أكبر الكوارث التي ستحسب على عهد الأب حمد,
فالأب كان سياسياً ماكراً واكتسب خبرة واسعة في إدارة الملفات المُعقدة وآثر أن لا ينصاع لإملاءات آل سعود لأنهُ يعرف من أين تؤكل الكتف وأدرك كل نقاط ضعفهم, ولهذا لم يقبل منهم بالإهانة حتى ولو كلفته المليارات, ولا أظنه كان سيقبل الوضع الحالي الذي عليه ولده, أما الأبن تميم فصاحب شخصية ضعيفة وهو مُغرم بكرة القدم كثيراً, والبعض يرى أن نقطة ضعف تميم الحالية هي أنه تم صرف مليارات الدولارات في سبيل إنشاء الملاعب من أجل استضافة المونديال عام 2022م؛ وأن سبب رضوخه لآل سعود هو خوفه من مُقاطعتهم وتخريبهم لمونديال الدوحة بمعنى أنه سيبقى خاضعاً لهم لمدة 5 سنوات قادمة.
أي أن الابن تميم قد رضخ لتلك الاملاءات من أجل كرة القدم إن صحت تلك الادعاءات, بينما الأب كان على استعداد لدفع المليارات في سبيل أن لا يخنع أو يرضخ لآل سعود.
لكن السؤال هو لم اندلع هذا الخلاف فجأة بعد مُغادرة ترامب للرياض وبعد أن استقبل آل سعود تميم في قمة الرياض بصورة طبيعية جداً, وكان بإمكانهم أن يرفضوا قدومه أصلاً من البداية إلى تلك القمة وبهذا يكونوا قد حيدوه ونبذوه ؟
أيضاً لا يوجد سبب واضح ومُعلن لردة الفعل السعودية المُفاجئة تلك ضد جارهم تميم, ولكن هناك عدة أسباب سابقة جعلت آل سعود يختارون هذا التوقيت ليشنوا تلك الحملة الشعواء ضد تميم.
شخصياً أعتقد أن آل سعود أجلوا عملية تصفية الحساب معه بعد انتهاء القمة, فلم يرغبوا أن يشوشوا على زيارة ترامب, وكان همهم الأول هو انجاح القمة واستقبال سيدهم وأسرته في أجواء فرح وسرور واحتفاء لا تكدره أي حوادث أو مُلاسنات, ويبدو أنهم قد تحملوا حضور تميم للقمة على مضض وتجاهلوا وجوده إعلامياً إلى أن تنتهي فعاليات القمة, وبعد أن غادر ترامب وهو يحمل في جعبته حوالي 450 مليار دولار صبوا جام غضبهم على قطر (الحيطة المايلة).
والدليل على أن وفد تميم أُستقبل بشكل طبيعي ضمن بقية الوفود؛ كما أن ترامب منح لكل رئيس دولة مدة 20 دقيقة للالتقاء به شخصياً في قمة الرياض في يوم 21\05\2017م, وكان تميم ضمن من التقى بهم ترامب لمدة نصف ساعة تقريباً, فما الذي دار بين ترامب وتميم في ذلك اللقاء الخاص؟
وماذا قال ترامب لتميم في هذا اللقاء الخاص تحديداً ؟
وماذا رد تميم مُدافعاً عن قراراته لترامب ؟
وهل سجل السعوديون ذلك الحديث الخاص عبر كاميراتهم المزروعة في نفس المكان ؟
لا أحد يعلم شيئاً عما دار بين الرئيس الأمريكي وأمير قطر في ذلك اللقاء الشخصي, ولكن من الواضح أن ترامب نقل لتميم تحفظاته عن سياسة قطر وعبر له عن المخاوف التي نقلها له خصوم تميم, وقطعاً تميم برر لترامب سبب تلك الغضبة السعوإماراتية عليه وربما يكون حمل أصحاب تلك الدسيسة المسؤولية عن تردي الأوضاع في المنطقة وظهور ما يُسمى بظاهرة "الإرهاب", لأن ترامب وتميم ظهرا بعد انتهاء ذلك اللقاء مسرورين ومُبتسمين, وصرح ترامب قائلاً: "إنه شرف عظيم لي أن التقي الشيخ تميم. وقطر والولايات المتحدة دولتان صديقتان منذ وقت طويل؛ وسيكون هناك استثمارات تجارية بين البلدين".
هكذا خرج ترامب وتميم بعد لقاء النصف ساعة السري, فما الذي جعل آل سعود يشنون حملتهم الضارية على تميم بعد مرور ثلاثة أيام فقط من ذلك اللقاء ؟
هناك أيضاً أقاويل وتحليلات ولا توجد أي تصريحات رسمية, لهذا سوف أتناول ما يدور ويروج عن ذلك الخلاف أو تلك الحرب الإعلامية التي اندلعت فجأة من الجانب السعودي - الإماراتي ضد قطر بدون أي مُقدمات أو أسباب حقيقية موجبة لذلك النزاع المُفتعل.
1- قيل أن ل سعود أبدوا انزعاجهم الشديد من الكلمة التي ألقاها تميم في قمة البحر الميت في الأردن قُبيل انعقاد قمة الرياض بشهر واحد؛ والتي جاءت مُشابهة لكلمته التي ألقاها في الجمعية العامة في الأمم المُتحدة في 20 سبتمبر من عام 2016م؛ وبدا تميم وكأنه يغرد خارج السرب الخليجي - الأردني, مع علمه بالمساعي السعودية الهادفة إلى التحالف مع إسرائيل بعيداً عن تعقيدات القضية الفلسطينية, كذلك دافع في كلمته عن تنظيم الإخوان المُسلمين ورفض تصنيفهم على أنهم منظمة إرهابية.
ويبدو أنهم كظموا غيضهم وتظاهروا باللا مُبالاة لكنهم كانوا يتنفسون الغل والحقد ضد تميم مُنتظرين انتهاء القمة لكي ينفسوا عن غضبهم ويؤدبوا من عاد يُشاكس كأبيه وضرب وعوده السابقة لهم بالطاعة وتمرد على سياستهم, وهذا ما حصل ليلة 23\05\2017م.
2- البعض الآخر أرجع تأزم العلاقة المُفاجئ من جانب آل سعود ضد تميم بسبب الزيارة المفاجئة التي قام بها وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إلى بغداد يوم 22\05\2017م, ولقائه بحيدر العبادي ومن ثم تصريحه في بغداد بأن السفير القطري سوف يعود لمزاولة مهامه في االعراق.
إذ اعتبر آل سعود تلك الخطوة خروج عن الاجماع الخليجي وضرب لموقفهم بضرورة تنسيق المواقف, علماً أن آل سعود سبقوا قطر بفتح سفارتهم في بغداد, وهم في حلف دولي مع حكومة العبادي, وطائراتهم الحربية تشارك في قصف الموصل, ووزير الخارجية السعودي عادل الجبير كان قد زار بغداد قبل وزير الخارجية القطري بشهرين :
3- هناك من يعتقد أن السبب وراء الهجوم السعودي الأخير على قطر هو نتيجة ما قامت به قناة الجزيرة, وخاصة عندما بثت تقرير وثائقي بعنوان - وحدة اليمن .. الاختبار الصعب - يتحدث عن المساعي الحثيثة لانفصال جنوب اليمن؛ والذي قالت أنه يتم بدعم وتمويل إماراتي, وهو ما آثار غضب آل نهيان واعتبروه تحريضاً علنياً ضدهم.
ثم تبعه خبر وتقرير عن مقتل 5 مواطنين بحرينيين شيعة واعتقال 286 آخرين على يد القوات الأمن البحرينية في بلدة الدراز في العاصمة المنامة قرب منزل المرجع الشيعي عيسى قاسم, وهو ما أثار آل خليفة وحكومة البحرين على قطر لأنها تناولت شأناً بحرينياً داخلياً.
وشخصياً لا أظن أن ما بثته قناة الجزيرة هو السبب الحقيقي وراء تلك الغضبة السعودية ولكنه ساعد في إثارة آل سعود, لأن تميم اتخذ سياسة مزدوجة ومُضحكة وهي تسليط الجزيرة على السيسي حليف آل سعود, وعلى آل نهيان حبايب آل سعود, وعلى آل خليفة حديقة آل سعود الخلفية ومداهنة آل سعود ظاناً أن هذا الأمر سوف يُفلح في تحييد آل سعود, مُتناسياً أن هؤلاء الأعداء جميعهم في حلف واحد ضد قطر وضد تنظيم الإخوان المُسلمين.
وحينما أقول أن تميم مازال غضاً وطارئاً على السياسة وغير مُدرك لحقيقة العداء السعودي لقطر, لأنهُ كان ناقداً مُتبرماً من سياسة أبيه السابقة وغير راضٍ عن أسلوب حمد بن جاسم في إدارته للسياسة القطرية الخارجية وخاصة إزاء آل سعود, وكان يعتقد بأن الأمور يُمكن أن تُحل بهدوء وأن الأمور يُمكن أن تُسوّا مع آل سعود بعيداً عن المماحكات الإعلامية والمُناكفات السياسية.
فحال تميم كان أشبه بمُشجعي كرة القدم خاصة حينما يتفرج الجمهور على المباراة ويخفق اللاعب المُهاجم في تسجيل الهدف, فيبدأ بعض المُشجعين بشتم اللاعب وتقريعه عن بعد ولومه لأنه أخفق في التسديد نحو المرمى ويرون بأن الفرصة كانت سانحة والهدف كان مضموناً لكن غباء اللاعب هو من ضيّع الفرصة ... الخ.
هكذا كان حال تميم؛ حيث كان دائم اللوم لسياسة والده ويُحمل وزير الخارجية القسط الأكبر من المسؤولية, ويرى أن الأمور السياسية يُمكن أن تسير بطريقة أفضل بكثير مما هي عليه الآن خاصة مع آل سعود, وأن ما يقوم به حمد بن جاسم هو تمادي وتصرفات خرقاء غير محسوبة مُضرة وغير ذات جدوى, وأنه لو كان هو من يُدير السياسة القطرية لحقق جميع الأهداف دون الدخول في نزاع أو خلاف مع الجيران.
وتميم لا يُلام في تخبطه وعدم خبرته السياسية, فهو في عام 1996م - حينما خطط آل سعود للانقلاب على أبيه حمد - كان يبلغ من العمر حينها 16 عام فقط, يعني مُجرد صبي صغير لا يفقه ما يدور حوله, فهو من مواليد 1980م, وعليه فهو حينها لم ينكوي بعد بنار المؤامرات السعودية المُحرقة ولم يُعايش الخبث السعودي المُعتق الذي عايشه والده؛ لهذا كان يظن أنهُ قادر على تسيير الأمور مع آل سعود بأسلوب ودي دون الحاجة إلى المواجهة معهم إعلامياً وبدأ يتردد على الملك عبد الله وأصبح وكأنه مثله الأعلى.
وربما كانت لدى تميم قناعة بأن التصعيد الحاصل بين السعودية وقطر كان يأتي من جهة حمد بن جاسم بسبب تشدده وصلفه في مواجهتهم, وأن آل سعود قوم لطفاء وديعين ولا يُمكن أن يُقدموا على هكذا أفعال دون أن يستفزهم أحد, لأنهُ كان من السذاجة بمكان بحيث صدق تلك الابتسامات الصفراء ووثق بالمصافحات كما صدقها قبله محمد مرسي.
كما أن تميم لم يكن يرتاح كثيراً لشخصية حمد بن جاسم إما بسبب رأيه السالف الذكر حول مسؤوليته في تأزيم العلاقات مع آل سعود؛ أو بسبب خشيته من استحواذ حمد بن جاسم على جُل الاهتمام الدولي ومن ثم يحظى من جديد بمكانة سياسية مرموقة قد تهمش من مكانته كأمير واعد جاء يحمل رؤية سياسية جديدة ويسعى للتغيير ويُريد أن يبدأ بدايات جديدة في المنطقة بعيداً عن الكادر السابق لعهد أبيه.
 
وأجزم أن تميم لم يُدرك خطَؤُه إلا عند صفعة آل سعود الأخيرة له, فهو بقي يمارس نفس دور التابع المُريد لآل سعود حتى بعد أن نبذوه في المرة السابقة ولولا وساطة أمير الكويت وتدهور صحة عبد الله لما غفروا له زلته, وإن كان عفواً مؤقتاً إذ سرعان ما عادوا لنبذه من جديد, لكن يبقى السؤال: هل تعلم تميم الدرس وأدرك أن لا علاج لهم إلا بترياق حمد بن جاسم؟ شخصياً لا أظن أن اتعض وتعلم الدرس.
أعلم أن البعض سيقول لي كيف تزعم الحيادية وأنت لم تذكر السبب الذي ادعى آل سعود أنه هو الدافع لما أقدموا عليه؛ وهو تصريح تميم المُعادي للسعودية والذي زعمت قطر أن التصريح مزور بسبب اختراق وكالة الأنباء القطرية (قنا) ؟
أقول لأنني متأكد تماماً بأن هذا الزعم غير صحيح وأن الإدعاء السعودي كان مُجرد ذريعة فقط لتبرير الهجوم الإعلامي على قطر وعلى تميم شخصياً, والدليل أنني كنتُ مُتابعاً لقناة قطر في ذلك اليوم بالصدفة أعني يوم 22\05\2017م, حينما حضر تميم ليشهد حفل تخرج دفعة من المُجندين, الظريف أن إحدى الفعاليات كانت تحاكي عملية خطف لباص خاص بأحد فرق كرة القدم وقامت قوات الأمن بتخليص الفريق من قبضة الخاطفين؛ وانتهى العرض ولم يُصرح تميم بأي تصريح يُذكر.
وما جرى في تلك الليلة لم يكن اختراقاً إلكترونياً كما بررت الحكومة القطرية, بل فخ وقعت به وكالة الأنباء القطرية, حينما قامت بنقل خبر من خلال مواقع مشبوهة, حيث فوجئت الوكالة القطرية بهذا الخبر منشور في عدة مواقع إلكترونية فسارعت بنشره كي لا تتهتم بالتقصير وعدم مواكبة الحدث, مُعتقدة أن الشيخ تميم قد صرح فعلاً في حفل التخرج وبلعت الطعم, هذا ما جرى بالضبط ولكن كان من الصعب تبرير هذا الفعل فزعموا أن وكالة الأنباء القطرية تم اختراقها.
إذن ما جرى هو عملية استهداف مُتعمدة ومُفتعلة الغرض منها هو نبذ وإدانة تميم وحشره في زاوية ضيقة لكي يُسلم طائعاً وينصاع لجميع الاملاءات السعودية, ولهذا فإن الوساطة الكويتية لن تُفلح هذه المرة لأن هناك شروط قاسية يجب على تميم تنفيذها قبل أن يعود لبيت الطاعة السعودي.
أهم الشروط المتوقعة التي سيفرضها آل سعود على تميم بعد أن شعروا بضعفه :
1- التخلي عن تنظيم الإخوان والتوقف عن دعمهم وتمويلهم.
2- طرد يوسف القرضاوي من قطر وكل من له علاقة بالإخوان المُسلمين.
3- طرد عزمي بشارة من قطر والتوقف عن دعمه وإغلاق قناة العربي التي يُديرها عزمي.
4- إغلاق جميع المواقع والقنوات التي يُديرها الإخوان والمُمولة قطرياً.
5- التوقف عن دعم حماس والقبول بالخطة السعودية للتحالف مع الإسرائيليين.
6- التوقف عن مُهاجمة نظام السيسي وإعادة العلاقات الدبلوماسية مع نظام الإنقلاب.
7- تحسين العلاقات مع الإمارات والبحرين وعدم التطرق للشؤون الداخلية لهذين النظامين.
8- إغلاق مكتبة قطر الرقمية الخاصة بالوثائق البريطانية -مكتب الهند, التي تحوي جميع مُراسلات عبد العزيز بن سعود مع الإنجليز.
9- إيقاف الدعم المالي والعسكري للفصائل الليبية وخاصة جماعة الإخوان في ليبيا ويجب الاصطفاف مع حفتر حسب التوافق الخليجي.
10- عدم التعامل الفردي مع إيران أو مع الحكومة العراقية الحالية إلا ضمن المنظومة السعودية - الخليجية.
علماً أن كل دول الخليج تتعامل مع إيران اقتصادياً وسياسياً ابتداءً من النظام السعودي والإماراتي, فشركة صافولا السعودية للزيوت تعمل داخل إيران وتجني الملايين من الدولارات, وكذلك الإمارات صاحبة الجزر المُحتلة لديها مصالح تجارية واسعة مع إيران, أما قطر فلديها حقل غاز مُشترك مع إيران داخل مياه الخليج لم يتم تشغيله بعد, وتسعى لاستثماره مع إيران مُناصفة.
ويبقى السؤال الأهم الآن ماذا لدى الجزيرة من أوراق أو لنقل أسلحة رادعة يُمكن أن تواجه بها هذا الحلف الخليجي المصري ؟
ففي عهد الأب حمد كان لديه عدة أوراق سياسية وإعلامية يمكنه اللعب بها ويردع بها جيرانه الناقمين عليه منها :
1- قناة الجزيرة الفضائية كذراع إعلامي (حينما كانت مرهوبة الجانب).
2- رأسمال هائل يتواجد في عدة دول أوروبية وآسيوية.
3- علاقاته قوية مع النظام الإيراني.
4- علاقات وثيقة مع نظام بشار والقذافي, وحتى بعد اندلاع الثورات كان لقطر نفوذ قوي وحضور مؤثر في داخل ليبيا وسوريا.
5- كان لديه تأثير وحضور دبلوماسي نشط من خلال جهود حمد بن جاسم, الذي كان يقود حملة دبلوماسية في أوروبا وأمريكا وروسيا تصب في صالح دولة قطر.
فماذا لدى الابن تميم من أوراق سياسية في الوقت الحالي ليواجه بها هذه الحملة السعودية الشرسة :
1- قناة الجزيرة تحولت إلى قناة حكومية تافهة ورخيصة حيث تمت سعودتها وبدأت تدلس وتنافق لآل سعود بطريقة مقززة ومُبتذلة وباتت ملكية أكثر من قناة العربية السعودية, فقام تميم بعملية اخصاء لهذه القناة حتى أصبحت قناة فارغة ولا تستطيع أن تجاري القنوات الإخبارية الأخرى.
فالعالم كان يحسب ألف حساب لدولة قطر الصغيرة من خلال ما تملكه من سلاح إعلامي مؤثر ورادع وهو (قناة الجزيرة), ولكن حينما تُصاب تلك القناة بـ"الخنث الإعلامي" بأمر حكومي ثم تصبح بوقاً لآل سعود حينها تسقط وتذهب ريحها.
فتميم نسي أن جمهور الجزيرة الذين تم استقطابهم خلال أكثر من ربع قرن واعين وأذكياء جداً وهم ليسوا قطعان مُسيرة لكي يُسخر موظفي الجزيرة ليدلسوا في المعلومة ويُحابوا في الخبر, فحولهم تميم إلى أدوات رخيصة تطبل وتزمر لآل سعود (لأن معزبهم تميم عايز كده).
كانت سياسة تميم الجديدة في الجزيرة لا تمسوا آل سعود بأي خبر, وركزوا هجومكم على الإمارات والسيسي ودحلان!
وكأن دحلان دولة عظمى أو مخلوق فضائي قادم من كوكب زحل, وينسى تميم وجزيرته الخائبة أن دحلان هذا مُجرد عميل للموساد رخيص, لا ترقى مُهمته لأن يحرك سياسات دول؛ فجعلت منه الجزيرة بغبائها قوة خفية تحرك العالم.
فبعد مرور أسبوع من الأزمة السعودية القطرية مازالت قناة الجزيرة تروج أن الخلاف هو بين تميم ودحلان, وإذا تجرأت قليلاً رمت بالتهمة على آل نهيان!
وكأن الناس أغبياء ولا يدركون أن من يقف خلف تلك الحملة الشرسة هو الملك السعودي الليكودي  سلمان بن عبد العزيز وولده المُتنفذ محمد, لكن الجزيرة لا تجرؤ أن تُصرح بهذا الواقع ومازلت تمارس سياسة القرود الثلاثة: (لا أسمع لا أرى لا أتكلم)؛ رغم أن حتى الأطفال في الشوارع تُدرك هذه الحقيقة تماماً؛ والسبب أن تميم قام باخصاء القناة تذللاً لآل سعود.
لقد قام تميم بنزع مخالب الجزيرة وأحرق دورها المؤثر عربياً وجعلها مُجرد قناة ترويجية نسائية فارغة تثرثر فيها نسوة أبو هلالة في صباح الجزيرة كما كانت تفعل عربية آل سعود, وخسر أهم أسلحته الفتاكة.
2- الأموال القطرية أصبحت مُقيدة وتحت الرقابة الأوروبية والدولية بسبب الحملات الدعائية السعودية - الإماراتية التي شيطنت قطر وصورتها بأنها تدعم الإرهاب.
3- علاقة قطر الحالية مع النظام الإيراني سيئة ومتوترة بسبب اصطفاف قطر مع آل سعود.
4- تخوض قطر صراعاً ميليشاوياً في ليبيا وقد ضعف دورها في ليبيا, كما تم سحب البساط من تحت أقدامها في سوريا.
5- تراجع الحضور والنفوذ الدبلوماسي القطري كثيراً في العالم بعد غياب حمد بن جاسم وغياب عهد الأب صاحب الخبرة, فأصبحت الدبلوماسية القطرية تلعب دور الذيل للسعودية, خاصة بعد التصريح الشهير لوزير الخارجية القطري السابق - خالد العطية - الذي قال عن سعود الفيصل يوماً: "إذا غضب سعود الفيصل يرتبك العالم".
لهذا فوضع النظام القطري الحالي حرج جداً وضعيف للغاية بعد أن تخلى تميم طوعاً عن جميع أسلحته الناعمة وفرط بعلاقاته الدولية وبات يسير خلف السياسة السعودية, وهذا كان أكبر خطأ استراتيجي ارتكبه تميم خلال إمارته للبلاد ولن يستطيع إصلاح ما ارتكبه من أخطاء أو رتق المأزق الذي وقع فيه إلا بتعيين حمد بن جاسم وزيراً للخارجية, فبسبب قلة خبرته وتهالكه على اتباع السياسة السعودية أظهر للعدو ضعفه وخواره فكان دائماً يُبادر ويبحث عن وسطاء لكي يُصالحوه مع آل سعود, حيث ربط مصيره وسلم كل أوراقه بيد أعداء والده ظاناً أنهم سيغفرون له وينسون سياسة أبيه السابقة.
قد يقول البعض أن تميم لا يتحمل المسؤولية لأنه ورث حمل ثقيل من عهد أبيه وحاول قدر الإمكان إصلاح العلاقات مع آل سعود؛ وهذا غير صحيح فسياسة والده كان صائبة وما كان يقوم به هو رد مكائد ومؤامرات آل سعود ولم يكن هو البادئ, لكن تميم لم يفهم أن حروب والده وابن عمه حمد بن جاسم لم تكن هجومية بل كانت دفاعية بحتة, فأراد أن يتحذلق عليهم كعادة أي شاب متحمس حتى ذاق الآن من كأس السم السعودي وأدرك أن والده كان على صواب.
أراد تميم بتهور هدم كل مخزون العلاقات والسياسة الخارجية التي صنعها والده وحمد بن جاسم خلال عقود طويلة من العمل والعلاقات العامة وصرف المليارات, وقرر اتخاذ سياسة جديدة مُهادنة وخاضعة للأجندة السعودية مُغايرة لسياسة أبيه وفشل, وعليه فهو يتحمل مسؤولية ما سيلحق بقطر كدولة وككيان.
فهل أخطأ الشيخ حمد باختيار ولده تميم ليكون خليفته ؟
سأترك الجواب للقارئ الكريم.
وطبعاً للحديث بقية.